فرنسا.. تراجع وصعود

10-03-2019
صادق ناشر

قبل أيام قليلة، أظهر استطلاع للرأي ارتفاعاً في شعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد أن كانت قد تراجعت إلى مستويات كبيرة، منذ بدء احتجاجات حركة «السترات الصفراء» في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني من العام قبل الماضي، وهي الاحتجاجات التي كرست انقساماً غير مسبوق في تاريخ البلاد منذ عقود طويلة، ويبدو أن طريقة معالجة ماكرون للأزمة، وتراجع التأييد للحركة مؤخراً، أعادا له بعض الشعبية، خاصة أنه كان يُنظر إليه باعتباره رئيساً شاباً، ولديه برنامج سياسي طموح، قبل أن يدخل في صراع قوي مع خصومه، بعد أشهر من انتخابه خلال العام قبل الماضي.
كانت شعبية ماكرون قد وصلت إلى 27% قبل الاحتجاجات، وهي أدنى مستوى لها منذ توليه السلطة، مع اجتياح المحتجين وسط العاصمة باريس ومدناً أخرى، غير أن التأييد للاحتجاجات ولحركة «السترات الصفراء» تراجع شيئاً فشيئاً، خاصة أن الفرنسيين بدأوا يشعرون أن البلاد يمكنها أن تحصد مزيداً من الأزمات في حال مضت الحركة في تصعيدها، ورأوا أن الحكومة لبت المطالب الرئيسية للمحتجين، وبالذات ما يتعلق بإلغاء الضرائب على المشتقات النفطية وغيرها.
كان هذا أقوى التحديات التي تواجه سلطة الرئيس ماكرون، فلأول مرة تشهد فرنسا مثل هذه الاحتجاجات، التي بدأت بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع الضرائب المفروضة على وسائل النقل، إلا أنها تحولت مع مرور الوقت إلى حركة أوسع ضد ماكرون وحملته الإصلاحية الموالية لقطاع الأعمال.
وما أشعر الفرنسيين بالمخاوف هو محاولة اليمين المتطرف استغلال الاحتجاجات، وتسيير دفتها باتجاه مشروعه، ما قد يجر فرنسا إلى مربع آخر غير المربع الذي تسير وفق قواعده منذ عقود طويلة؛ إذ رأى 55% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجري قبل نحو أسبوعين، أنه يجب وقف الاحتجاجات، والتفرغ لإعادة جسور الثقة بين السلطة والمعارضين لمشروعها الاقتصادي.
كانت احتجاجات السترات الصفراء كفيلة بنقل فرنسا إلى مرحلة المواجهات الأمنية الشاملة، خاصة مع توجه كان على وشك التحقق يقضي بإعلان حالة الطوارئ، وعلى الرغم من استمرار خروج التظاهرات كل سبت، فإن تأثيرها بدأ بالتلاشي تدريجياً، خاصة بعد أن ظلت لأسابيع عدة تشعل حماس الناس، الناقمين على الخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة، والتي لم تراعِ مصالح الطبقات الدنيا المحرومة من الخدمات، بل خدمت رؤوس الأموال الكبيرة، ووسعت من حزام الفقر في أوساط قطاع واسع من السكان.
ارتفاع شعبية ماكرون، الذي تزامن مع تراجع التأييد لحركة «السترات الصفراء»، رسالة واضحة مفادها رضا الناس عن طريقة معالجة الحكومة للأزمة، إلا أنه لا يعني الرضا الكامل عن أدائها، الذي لم يرتقِ إلى المطلوب، خاصة في ظل الصعوبات والتحديات التي تواجه الاقتصاد الفرنسي، وعدم وجود رؤية واضحة لتحسين أدائه خلال المرحلة المقبلة.

Sadeqnasher8@gmail.com