أليست غزة محتلة؟

10-03-2019
د. ناجي صادق شراب

الحديث أن غزة ليست مُحتلة، فيه مبالغة سياسية بعيدة عن الواقع حول مفهوم الاحتلال، ومفهوم تكامل الإقليم الفلسطيني؛ فالتكامل الإقليمي يجعل من غزة جزءاً لا يتجزأ من الإقليم الفلسطيني، والذي يتحدد بمفهوم الدولة الفلسطينية، وحدود ما قبل الرابع من يونيو/حزيران 1967، أي أن الضفة وغزة هما من يكون حدود الإقليم الجغرافي والسياسي للدولة الفلسطينية، واحتلال أي جزء من هذا الإقليم يعد احتلالاً كاملاً لكل الإقليم؛ لأن فيه انتقاص للسيادة.
ومن ناحية أخرى، إنهاء الاحتلال لا يكون فقط بانسحاب القوات المحتلة من غزة؛ فالاحتلال له صور كثيرة: التحكم في المعابر؛ التحكم في الموارد المادية والطبيعية؛ التحكم في حركة البشر والانتقال من مكان لآخر؛ والحصار المفروض على غزة؛ والتحكم في المياه الإقليمية؛ وتحديد مناطق الصيد؛ والتحكم في الفضاء الجوي، كل هذه المظاهر؛ تؤكد أن غزة تحت الاحتلال «الإسرائيلي»، حتى معبر رفح، وما يبدو من ظاهرية التحكم فيه من الجانب الفلسطيني؛ لكن الحقيقة أن «إسرائيل» تتحكم في استمرار فتحه أو إغلاقه، فهذا الفتح يتم عبر تفاهمات سياسية؛ إما مباشرة أو بواسطة طرف ثالث. ولا مجال للحديث عن السيادة في الجانب المصري، فهذه تخضع لسيادة مصر كاملة؛ لكن الحديث يقتصر على الجانب الفلسطيني، فلا أعتقد أن التحركات البشرية، وتحركات بعض القيادات السياسية تتم بعيداً عن هذه التفاهمات.
هذا التوصيف لحالة غزة مهم، ويتوقف عليه مسار العملية السياسية الفلسطينية من مصالحة وانقسام وسعي لقيام الدولة الفلسطينية. إن اعتبار غزه ليست محتلة، وإعلان ذلك من الجانب الفلسطيني، فيه إعفاء لكل مسؤوليات «إسرائيل» عن غزة، وربط مستقبل ومصير غزة بالمتطلبات الأمنية «الإسرائيلية»، حتى خيار المقاومة يصبح مرهوناً بهذه المتطلبات، والخطورة هنا، أن تتحول إلى وظيفة أمنية، لا تختلف كثيراً عن التنسيق الأمني في الضفة الغربية.
ماذا يعنى الإعلان عن إنهاء الاحتلال؟ وما التداعيات والنتائج المتوقعة؟ إنهاء الاحتلال؛ يكون بالإعلان الرسمي من قبل الدولة المحتلة، وباتفاق مكتوب مع السلطة الخاضعة للاحتلال، وبعدها يمكن أن يتم تنظيم العلاقة كأي علاقة مع دولة أخرى. في حالة غزة، هذا لم يحدث، ف«إسرائيل» أعلنت انسحاباً أُحادياً من غزة، ولم توقع أي اتفاق مع السلطة الموجودة وقتها في غزة؛ وهي السلطة الفلسطينية الشرعية. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للسلطة أن توقع على اتفاق بإنهاء الاحتلال من غزة من دون بقية الأراضي الفلسطينية، فكما أن الأرض لا تتجزأ، فإن الاحتلال لا يتجزأ.
والحديث الآن عن أن غزة غير محتلة، يتناقض تماماً مع الوضع السياسي القائم، ويتناسب مع حالة الانقسام السياسي، وهو تكريس لحالة الانفصال السياسي التام مع السلطة، وما يؤكد ذلك؛ أن هذا الإعلان يستوجب أولاً قبولاً ممن يحكم غزة، وثانياً التوقيع على اتفاق تهدئة أو هدنة، وبعدها يمكن توقع تنظيم العلاقات بين «إسرائيل» وغزة كإقليم منفصل، وثالثاً مع من يتم التوقيع على هدنة أو اتفاق تهدئة؟ في حال تم مع السلطة، وهذا مستبعد تماماً، يبقى أن يتم التوقيع مع «حماس»، وهو شكل من أشكال الاعتراف الضمني بين الطرفين. ومن التداعيات الخطرة لمثل هذا احتمال وقف كافة أعمال المقاومة ضد «إسرائيل»، وبداية علاقة تحكمها الوسائل السلمية. وبذلك تنعدم أي مسؤولية لحركة «حماس» في الضفة الغربية. وأضيف، أن هذا الإعلان يعني نهاية القضية الفلسطينية، ويعني أن تبحث الضفة الغربية عن خياراتها وكيفية تعاملها مع«إسرائيل»، وهذا الأمر سيكون تفكيكاً للقضية الفلسطينية بآليات فلسطينية.
إن تصورات اعتبار غزة منطقة أو إقليماً جغرافياً غير محتل؛ فذلك يعد تأكيداً بأن غزة بات يُنظر إليها على أنها كينونة سياسية مُستقلة، قد تتحول إلى دولة ليس لها علاقة بفلسطين؛ لذا علينا أن نفرق بين المطالبة برفع الحصار، وإنهاء الاحتلال.

drnagishurrab@gmail.com