الاختلاف قديم كالإنسان

09-03-2019
شيماء المرزوقي

الأطياف المتعددة والمتنوعة في أي مجتمع من المهن والأعمال، تعتبر ميزة لقوته وتميزه. فالموظفون والعمال والمزارعون والصناعيون والتجار، ومن هم في مرحلة الشيخوخة أو في منتصف العمر، وصولاً إلى الشباب واليافعين والأطفال، هي مصادر للقوة والتميز، وتدل على أن المجتمع ينمو ويتحرك نحو الأمام، وكما يقال: التنوع إثراء وقوة.

لكن الملاحظ أن هذه الجوانب التي فيها تعدد وتنوع، باتت وكأنها عوامل قصم وفصل وإضعاف لعدد لا بأس به من المجتمعات في عالمنا العربي، تُبعدها عن السير في ركب الحضارة وتجعلها مشغولة بقضايا هامشية سطحية، لا قيمة لها في الإنتاج العالمي والبناء المعرفي والعلمي.

والسبب ليس في تغير أسباب القوة والضعف، ولا في ممسكات التطور والتخلف؛ بل في تفكير الإنسان وتغير توجهه، الذي كما نرى ونسمع بات يعتبر الاختلاف في الرأي خطأ، ووجود أي تباينات مع الآخرين مشكلة.

وفي الحقيقة، المشكلة تكمن في ذلك الإنسان الذي تبدلت أفكاره وبات غارقاً في الذاتية، ولا يريد لوناً ولا شكلاً ولا ذوقاً ولا رأياً إلا ما يصدر عنه ومنه. من هنا ظهرت روح جديدة مشوهة بعيدة عن التفكير في المستقبل والبناء والتقدم.

وإذا كنا نرى المجتمعات الأكثر تطوراً وتقدماً في العالم، تتعامل مع مختلف الأطياف البشرية بتسامح وتفهم، مدركة أن لكل إنسان وجهات نظر متنوعة، وأن هناك تعدداً في الثقافات وفي الميول والمبادئ، وأيضاً في كثير من الآراء، فلماذا لا نفهم أن هذا التنوع في أي مجتمع، ليس عامل ضعف ولا تشتّت ولا تفرقة كما قد يتخيل البعض في عالمنا العربي؛ بل هو عامل مفيد لتجنب الأخطاء أو تكرار تجارب أو مشاريع لا فائدة ولا طائل من ورائها.

التنوع يظهر أفضل القيم وأعظم القرارات، ويساعد على تعدد الأفكار، ويزيد الابتكار والتنافسية الإيجابية في خدمة المجتمع.

إن تعدد الآراء واختلاف وجهات النظر، ليس طارئاً على البشرية أو حديثاً في واقع إنسان اليوم؛ بل هو مرافق له منذ الأزل وحتى عصرنا هذا، ويستمر معه في مختلف تفاصيل حياته، وهذا يوضح لنا أهمية معرفة الكيفية التي ندير بها اختلافاتنا، وكيف نتعامل مع تعدد الآراء، وكيف نقيم وجهات النظر المتباينة، وكيف نستطيع أن نستخلص من كل هذا التباين والتنوع، الفائدة ونجاح المجتمع ليتقدم ويرتقي.

Shaima.author@hotmail.com

www.shaimaalmarzooqi.com