دمشق وحلب ستبقيان لنا

09-03-2019
يونس السيد

منذ اندلاع الأحداث السورية في عام 2011، لا أحد يجهل طبيعة الدور التركي، الذي قررت أنقرة أن تلعبه؛ حينما وجدت الفرصة سانحة لتحقيق أطماعها التوسعية، وإحياء الإرث العثماني تحت ستار عناوين مضللة؛ بينها دعم «الثورة السورية»، وعملت كل ما من شأنه لتنفيذ أجندتها الخاصة؛ لاحتلال وضم ما تستطيع ضمه من الأراضي السورية، وإلحاقها بتركيا.
لم يكن الأمر بحاجة إلى التقارير الغربية، ومنها تقرير موقع «نورديك مونيتور» السويدي، الذي نُشر في يناير/كانون الثاني الماضي، والذي تحدث عن أن الاستخبارات التركية، أسست في بداية الأحداث مكتباً خاصاً؛ مهمته المركزية هي العمل على إطاحة «النظام السوري»، في وقت كانت أنقرة تقوم بدعم الجماعات المتطرفة؛ وفي مقدمتها تنظيم «داعش»، و«جبهة النصرة»، وتفتح أبوابها؛ لعبور المقاتلين الأجانب، علاوة على الفصائل المُتطرفة الأخرى، التي أنشأتها الاستخبارات التركية، واستعانت بضباط سابقين؛ لتدريبها وتسليحها؛ بهدف تأجيج النزاع السوري، بما يسمح لها التدخل المباشر في الصراع، كما حدث لاحقاً.
فقد كان يكفي التوقف قليلاً أمام تصريحات أردوغان مع بداية الأحداث، التي تعهد فيها بأن يصلي في الجامع الأموي في دمشق ثم في الجامع الأموي في حلب، قبل أن تنقلب المعادلات، ويتمكن الجيش السوري من استعادة معظم الأراضي، التي كانت تخضع للفصائل المسلحة. وكان يكفي التأمل في بروفة التدخل المباشر للقوات التركية؛ حينما توغلت في الشمال السوري، بذريعة حماية ضريح سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية. ومع تطور الأحداث، خصوصاً بعد معركة حلب الكبرى، فرضت المعادلات الميدانية الجديدة نوعاً آخر من التدخل المباشر؛ حيث قام الجيش التركي، والفصائل المتحالفة معه، بالسيطرة على أجزاء واسعة من الشمال السوري؛ عبر عمليتين متتاليتين، الأولى حملت اسم «درع الفرات»، والثانية «غصن الزيتون»؛ بهدف إبعاد القوات الكُردية عن غربي الفرات، فيما بقيت السيطرة على منبج وشرقي الفرات هدفاً لا تزال أنقرة تعمل لتحقيقه، سواء بالوسائل العسكرية أو السياسية، بذريعة إبعاد «الخطر الإرهابي»، ومنع إقامة أي كيان كردي على حدودها الجنوبية؛ عبر القضاء على «وحدات حماية الشعب الكردية»، التي تعدها «منظمة إرهابية». وقد حشدت لذلك قوات ضخمة، بالتعاون مع مقاتلي الفصائل الموالية لها، ولا تزال تراهن على إقامة «المنطقة الآمنة»، وتصر على أن تكون تحت إشرافها وإدارتها وحدها.
تصريحات وزير الداخلية التركي سلَيمان صويلو قبل أيام، والتي قال فيها: إن «دمشق وحلب كانتا لنا» أسقطت ورقة التوت الأخيرة عن خطط وأهداف أنقرة الحقيقية في التوسع، واحتلال الأراضي السورية وضمها، كما فعلت في الماضي؛ حينما أتيحت لها الفرصة لضم «لواء الإسكندرون»، وكما تتحين الفرص لضم الموصل وشمالي العراق، وهي تتلطى خلف مسارات «أستانا» و«سوتشي»؛ للنفاذ إلى تحقيق هذه الأهداف، كما هي الحال في إدلب؛ حيث لا تزال تقوم بحماية «جبهة النصرة» وتؤجل عملية الحسم العسكري هناك؛ لكن أنقرة تتجاهل أن ما عجزت عن تحقيقه سابقاً لن تتمكن من تحقيقه الآن؛ لأن الظروف تبدلت والمعطيات القائمة تفوق قدرتها على فرض وقائع جديدة، وإن أردوغان لن يفي بوعده أبداً؛ لأن دمشق وحلب كانتا لنا وستبقيان لنا.

younis898@yahoo.com