«لبنان».. فساد غير قابل للاقتلاع

09-03-2019
د. عصام نعمان

ينسب نائب حاكم مصرف لبنان المركزي السابق غسان العياش، الى سفير فرنسا («الام الحنون» بلغة أنصارها من اللبنانيين) بيار دوكان، المكلّف بمتابعة مقررات مؤتمر «سيدر» لإنماء لبنان وإعماره، قوله «إن لبنان غير قابل للإصلاح».
لعل ما قاله دوكان جاء بعد اطلاعه على واقعات الفساد والإهدار المالي التي تتكشف يومياً. من هذه الواقعات المذهلة اثنتان:
رئيس لجنة المال والموازنة البرلمانية النائب إبراهيم كنعان، أكد أن «هناك 15200 شخص في ملاك وزارة التربية والتعليم العالي بين متعامل ومستعان به، وظائفهم غير واردة في القانون».
العياش يقول: «تبيّن أن الموجودات الخارجية الصافية للقطاع المالي سنة 2018 (...) سجّلت عجزاً تاريخياً يقارب خمسة مليارات دولار، أعقبه عجز بمبلغ 1,3 مليار دولار في يناير/‏ كانون الثاني من العام الجاري، وهذا المؤشر يُظهر حجم النزف وخروج الأموال من لبنان».
في غمرة هذه المخاطر، استقبل رئيس الجمهورية، ميشال عون، أعضاء الهيئة الوطنية لحماية الدستور والقانون للمداولة في أوضاع البلاد. وتحدّث باسم الهيئة أمين السر الدكتور عادل يمين، فنوّه بدور الرئيس عون في إعادة الهيبة لرئاسة الجمهورية وبقيادته «عملية مكافحة الفساد، وإطلاق أيادي القضاء والأجهزة الرقابية وتوفير التغطية الكاملة لها من أجل القيام بعملها بلا خوف أو ضغط».
وكانت لي، كما لغيري، مداخلة قلتُ فيها للرئيس عون: لرؤساء الدول عامة، طموحات وأهداف متعددة. لكن بعضهم يولي هدفاً أكثر من غيره عنايةً وتركيزاً ليجعل منه إنجازاً تاريخياً يقترن باسمه. الجنرال شارل ديجول، صاحب الدور البارز في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني، رفض مشاركة حزبه في الحكومات المتعاقبة بعد التحرير لاقتناعه بترهل نظام الجمهورية الرابعة، وضرورة تغييره.
وبعد وصول فرنسا الى حضيض الانهيار العام 1958، اجتمع رئيس الجمهورية كوتي ورؤساء الكتل البرلمانية بديجول طالبين منه تسلّم قيادة البلاد بحكومة يؤلفها كما يشاء، مع استعداد جميع التكتلات البرلمانية لمنحه الثقة. ديجول رفض العرض مشترطاً أن تُمنح حكومته سلطات اشتراعية لإصدار قوانين من دون الرجوع الى البرلمان، بغية وضع دستور جديد للبلاد يُعرض على استفتاء شعبي حتى إذا نال الأكثرية أصبح دستوراً نافذاً، وبذلك تنبثق الجمهورية الخامسة.
رضخ الرئيس كوتي، وزعماء التكتلات البرلمانية لديجول، فقام بوضع دستور جديد وإقراره باستفتاء شعبي، وهكذا اصبح اسمه مقروناً بإنجاز تاريخي هو قيام الجمهورية الخامسة.
إنني وإن كنتُ أحثّ الرئيس عون على المضي في حملته على الفساد، إلاّ أنني أرجّح عدم نجاحه الكامل في هذا السبيل. لماذا؟
لأن أركان الشبكة المتحكّمة يدركون مخاطر الحملة، لكونها تعرّض نظام المحاصصة الطوائفي ذاته، ومصالح أهله الى الانهيار.
إن عدم وجود معارضة وطنية تقدمية موحّدة، نقيضة للنظام، وقادرة على إزاحته، سيمكّن الشبكة المتحكّمة من اجتراح تسوية للصراعات والاختلالات، محورُها معادلة منقّحة للمحاصصة تحمي مصالح أهل النظام، كما تسترضي، جزئياً، الفقراء وذوي الدخل المحدود.
تسوية كهذه ممكنة وقابلة للاستخدام بعض الوقت، لكنها لن تشكّل إبراءً لأهل النظام الفاسد من شرور ارتكاباتهم. الإبراء الكامل مستحيل.
ما العمل؟
لا خيارَ مجدياً أمام القوى الوطنية والتقدمية إلاّ تفعيل نهج المعارضة الشعبية بنَفَس طويل بغية تحقيق أهداف ثلاثة:
* أولاً، إنجاز مستوى عالٍ من التضامن والتنسيق كشرط للارتقاء الى جبهة عريضة تحتضن كتلة شعبية وازنة.
* ثانياً، إسقاط الوهم بإمكانية القضاء على الفساد والفاسدين، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية بوجود نظام المحاصصة الطوائفي الراهن.
* ثالثاً، التزام برنامج مرحلي للنهوض، وبناء الدولة بأولويات سياسية واقتصادية واجتماعية واقعية، ومتطورة.
هذه كلمة صريحة للمسؤولين، ودعوة صارخة للمواطنين.

inaaman@issamnaaman.com