الفراغ المؤسساتي وغياب الدولة

09-03-2019
الحسين الزاوي

يشكل الفراغ المؤسساتي في كل المجتمعات والدول تحدياً كبيراً يهدد الأمن والسلم الاجتماعيين لمجموع مواطنيها، ويعيق بشكل واضح مسارها التطوري ومشاريعها التنموية، ويزداد هذا الفراغ خطورة عندما يقترن بالغياب الكلي أو الجزئي للدولة فيما يتعلق بالقيام بمسؤولياتها السيادية وبتأدية واجباتها الدستورية نحو مجتمعها، لاسيما في الدول الفاشلة أو المرشحة للفشل التي تفقد السيطرة على أجزاء من ترابها الوطني وتتركه عرضة للفوضى، وتحت السيطرة المباشرة للميليشيات والجماعات المسلحة التي تمارس دور «الدول الافتراضية» وفق ما يحدث الآن في الكثير من النماذج في إفريقيا وآسيا.
ننطلق بداية من الأحداث العاصفة التي تشهدها عدد من الدول الإفريقية والتي قالت بشأنها أنجيل لوسادا، الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي، «في دول الساحل، يمثل فراغ الدولة أوكسجين الإرهاب»، وأشارت في حوار أجري معها مؤخراً إلى أن مفهوم الساحل متعدد، لكنننا يمكن أن نشير إليه عبر ثلاث محطات، أولها جغرافية تمتد من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً على مساحة تتجاوز 5 ملايين كيلومتر مربع ومسافة تقدر ب 1800 كلم من الغرب إلى الشرق، وتضم ما بين 11 و12 دولة بحسب المعايير التي نضعها لمفهوم الساحل، ثانيها مؤسساتية، وتشير إلى «مجموعة 5 ساحل» التي تأسست سنة 2014 وتضم موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، تشاد والنيجر، وهي دول تتقاسم المشكلات نفسها، أما الثالثة والأخيرة فتتعلق بالمفهوم الجيواستراتيجي للساحل وهنا لا يمكننا أن نتحدث عن دول الساحل الإفريقي من دون الإشارة إلى التأثير الذي تمارسه هذه المنطقة على دول المغرب العربي، خاصة وعلى دول شمال إفريقيا وفي مقدمتها مصر بشكل عام.
نستطيع أن نسجل في هذا السياق، أن البعد الجيواستراتيجي يؤثر في الاتجاهين؛ حيث إن الفراغ المؤسساتي في المغرب العربي، كان له دور واضح في زعزعة استقرار دول الساحل، فقد بدأت المجموعات الإرهابية نشاطها في منطقة الساحل بعد تردي الأوضاع الأمنية في مرحلة التسعينات من القرن الماضي، لاسيما بعد تأسيس ما يسمى بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وازداد الضغط الأمني على دول الساحل بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، الذي أسهم بشكل لافت في تهريب كميات كبيرة من الأسلحة من مخازن السلاح في ليبيا نحو الجماعات الإرهابية في الصحراء الإفريقية على الحدود مع تشاد والنيجر ومالي.
ونلاحظ في الجهة المقابلة أن ضعف الاستقرار في تشاد والنيجر وتحديداً في مالي بات يؤثر بشكل لافت في الأمن في دول المغرب العربي، لاسيما في الحدود الجنوبية للجزائر مع كل من مالي والنيجر وعلى عدم إمكانية عودة الاستقرار إلى ليبيا بسبب تسلل المجموعات المسلحة انطلاقاً من دول الجوار في الجنوب.
ويقودنا الحديث عن دول الساحل إلى ملاحظة أن الدول المعنية بأزمة هذه المنطقة وبالصراع في ليبيا، ليست متساوية في مواجهة تحديات الفراغ المؤسساتي، فهناك دول تخدم بشكل واضح أجندات قوى خارجية، وهناك دول أخرى منشغلة في مواجهة تحديات وضعها الداخلي، وتكاد تنفرد كل من مصر والجزائر، بامتلاك أجنداتهما الخاصة في المنطقة، وتواجهان تحديات أمنية وجيوسياسية في منتهى الخطورة على المستويين المحلي والإقليمي.
وعندما نتجه من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه، فإننا نلاحظ أن الفراغ المؤسساتي وغياب الدولة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 لم يؤثر فقط على السلم في بلاد الرافدين، لكنه سبّب أيضاً بمشاكل كبرى لجيرانها، كما أثر غياب الدولة السورية على حدودها مع الأردن في أمن واستقرار المملكة الهاشمية التي بذلت جهوداً مضنية من أجل منع تسلل المسلحين نحو أراضيها انطلاقاً من الحدود مع سوريا.
وكان للوضع في اليمن تأثير كبير أيضاً في الأمن القومي العربي؛ حيث أسهم الفراغ المؤسساتي وغياب الدولة في هذا البلد في سقوط العاصمة صنعاء بين أيدي الحوثيين المدعومين من طهران، وأثر الفراغ المؤسساتي في هذا البلد على مجموع السكان وأدخل اليمنيين في تردي اقتصادي واجتماعي وفي أزمة غذائية في المناطق التي لا تصل إليها مساعدات دول التحالف العربي، ولولا الجهود المضنية التي بذلتها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من أجل مواجهة الخطر الحوثي، لكانت الأوضاع أسوأ بكثير مما هي عليه الآن.
ويجب الاعتراف في الأخير، بأن الفراغ المؤسساتي في المحيط الجغرافي العربي، يؤثر بشكل خطير على الأمن القومي العربي المشترك، ولعل الفيلسوفة الألمانية حنة أرنت كانت محقة عندما قالت: «إن غياب الدولة هو بمثابة دعوة مفتوحة لممارسة العنف»، فأينما ضعفت الدولة العربية أو غابت لسبب من الأسباب، إلا وتفشى العنف وانتشر معه الخراب والموت.

hzaoui63@yahoo.fr