الانتظار والمراوحة في سوريا

09-03-2019
محمد نورالدين

باستثناء الحملة العسكرية ل«قوات سوريا الديمقراطية» على آخر معاقل «داعش» في منطقة الباغوز السورية، التي لها أهدافها التي تتعدى إنهاء أحد معاقل الإرهاب، فإن الساحة السورية تشهد مراوحة قل نظيرها قياساً إلى سنوات الحرب السابقة، منذ اتفاقية سوتشي بين تركيا وروسيا في 17 سبتمبر/ أيلول 2018، التي قررت جملة تدابير ميدانية لتهدئة الوضع في إدلب، ومنع انفجاره العسكري.
وجاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 17ديسمبر/ كانون الأول 2018 بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وردود الفعل حوله، ليساهم في تمديد حال المراوحة التي عادت وتعززت بإعلان ترامب نفسه أنه لن ينسحب بالكامل، بل سيترك مئات المستشارين ليساعدوا قوات الحماية الكردية.
يبدو الانتظار والمراوحة عنوانا عاماً لكل الأطراف المتواجدة على الأرض السورية، والمنخرطة مباشرة في الحرب الدائرة هناك منذ سنوات. فليس في الأفق ما يشي بحدوث خرق كبير لحالتي الجمود السياسية والعسكرية في آن معاً.
1- تدرك سوريا وإيران وحلفاؤهما، أنهما لا تستطيعان القيام بعمل عسكري كبير ومؤثر من جانبهما، سواء في منطقة إدلب، أو في منطقة شمال شرق الفرات، من دون حيازة غطاء جوي روسي غير متوفر حتى الآن. وهو ما يجعل أي مبادرة عسكرية من جانب دمشق وحليفتها طهران، معلقة ومؤجلة حتى إشعار آخر.
2- تعارض روسيا مثل هذا الأمر لأكثر من سبب. ففي منطقة إدلب يبدو واضحاً أن روسيا رغم التصريحات المتكررة لمسؤوليها حول أن تركيا لم تنفذ كما يجب اتفاقية سوتشي في سبتمبر/ أيلول الماضي، فإنها لا تريد أن تخسر تركيا بعمل عسكري منفرد من جانب الجيش السوري وحلفائه. فقد أثبتت المصالح المستجدة بين أنقرة وموسكو أن كل التطورات الميدانية التي تخص مناطق محاذية للحدود التركية تراعي فيها موسكو عدم إغضاب حليفها الجديد تركيا. فشبكة المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية بين البلدين لا تسمح لروسيا، وإلى حد ما لتركيا، بالتحرك خارج أي تفاهم بينهما. لذلك فإن الامتناع التركي عن تنفيذ أغلبية بنود اتفاق سوتشي لا يشكل أي إزعاج لروسيا.
أما في شمال شرق الفرات، حيث تواجد قوات الحماية الكردية، فإن التفاهمات العسكرية الروسية - الأمريكية تحكم قواعد الاشتباك بين الطرفين بطريقة لا تجرّهما إلى صدام مباشر. فكما المناطق التي تقع تحت سيطرة سلاح الجو الروسي محرّمة، إلى حد كبير، على الخروق الأمريكية الجوية، كذلك مناطق تواجد الأمريكيين محرمة على خروق سلاح الجو الروسي. وهو ما يحول دون أي عملية عسكرية للجيش السوري وحلفائه من دون المساعدة الجوية الروسية. إن رغبة الطرفين، الروسي والأمريكي، في عدم الدخول في مواجهة عسكرية تقطع الطريق أمام أي تحرك عسكري سوري كبير في إدلب، وشرق الفرات.
3- ومن الجانب الإيراني، فإن طهران في ظل العقوبات الأمريكية عليها، وتلكؤ الأوروبيين في الالتزام كما يجب ببنود الاتفاقية النووية، فهي تجد ضرورة عدم خسارة حليف كبير مثل تركيا. وبالتالي فهي تراعي المواقف التركية في أكثر من محطة، وهو ما يكبح أي رغبة لها في التحرك عسكرياً في سوريا، في إدلب، أو في شرق الفرات.
4- أما الولايات المتحدة، فلا يضيرها أن تبقى تركيا محتلة لمناطق جرابلس وعفرين وإدلب، مقابل أن تمتنع تركيا عن التدخل في شرق الفرات، وإبقاء المنطقة مركزاً لتواجد ونفوذ واشنطن تستخدمه ورقة في أكثر من اتجاه. ومن أجل تعزيز هذا الوضع كانت الرغبة الأمريكية في التحرك لإنهاء آخر جيب «لداعش» ما يعطي مبرراً لترامب بقراره الانسحاب (غير الكامل) من سوريا من جهة، ومن جهة ثانية إعطاء تبرير إضافي لإبقاء منطقة شرق الفرات بيد قوات الحماية الكردية خارج أي تدخل تركي، أو سوري، ولتبقى ورقة ضغط في أي حل نهائي للأزمة السورية.
5- وبالنسبة إلى تركيا، فهي في وضع يتراوح بين الرضا والاستياء. تركيا مرتاحة لموقف التحالف الروسي - الإيراني - السوري الذي لا يستطيع، في هذه المرحلة، تحريك ساكن في إدلب وعفرين وجرابلس، ما يبقي الاحتلال التركي ويديمه، بل يجذّره. ومن جهة أخرى، تركيا مستاءة من استمرار الحماية الأمريكية لقوات الحماية الكردية، لأن ذلك يمنعها من القيام بعملية عسكرية كبيرة ضد الأكراد، ويحول بالتالي دون أن تحتل المزيد من الأراضي السورية، في ظل إدراكها أنها لا يمكن دخول شرق الفرات من دون ضوء أخضر أمريكي، غير موجود حتى الآن.
الانتظار والمراوحة سيّدا الموقف في الساحة السورية حتى إشعار آخر، أو اختراق كبير واستثنائي، سواء على الصعيد العسكري أو.. السياسي.

mnuredin@hotmail.com