ماركيز الفقير

08-03-2019
يوسف أبولوز

الكاتب البريطاني جيرالد مارتن يتتبّع في كتاب صادر مؤخراً حياة الروائي الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز وشوارعه ومقاهيه والمطاعم التي كان يتردد عليها، والفنادق الفقيرة التي عاش فيها في باريس في الخمسينات من القرن العشرين وحياته الفقيرة البائسة في عاصمة أوروبا الثقافية، ذلك في مادّة صحفية جميلة كتبتها «لويزا بوليدو».. ربما عادت بمن قرأها إلى «كتاب في حوالي 140 صفحة من القطع المتوسطة صدر بعنوان «رائحة الجوّافة» في طبعته الأولى (1985) عن دار أزمنة في العاصمة الأردنية عمّان، والكتاب هو حوار على شكل سيرة، وإن كان في الأدب ثمة من جنس أدبي يمكن أن يطلق عليه السيرة الروائية، أو المذكّرات، أو الاعترافات فربما من الممكن أيضاً اعتبار الحوارات السِّيِرَية «الاعترافية» أو البوحية نوعاً من الأدب.. بل الأدب المباشر والصريح إذا كان المحاور الصحفي «داهية» في تقليب الأسئلة وتوجيهها إلى إجابات.. تشكّل في الأخيرة سيرَة حِوارية، أو حِوارية سَيِريّة.

يحاور «بلينيو أبو ليو مندوزا» الصحفي المحترف كاتباً كان أصلاً صحفياً هو الآخر.. «ماركيز» فيسأله بدءاً عن بيت جدّه ثم إلى بيت مرسيدس زوجته، ثم يسأله عن والده.. في حوار جاء في كتاب أعطاه اسم «رائحة الجوّافة»، ولكن إن كان ثمة من يتتبع اليوم حياة ماركيز في باريس التي عاش فيها من العام 1955، وحتى العام 1957، فإن ذلك (الكتاب -الحوار) يكشف عن زمن الفقر الذي عاشه صاحب «مئة عام من العزلة» وعندما كتب هذه الرواية، لم يكن يعرف أنه سوف يجلس على ثروة كبيرة، ولن يكون لديه من وقت الثراء هذا ولو ساعة واحدة ليتذكر بؤسه المحزن في باريس، أو غيرها من مدن قبل أن يقطف مجده العالمي متوّجاً بجائزة نوبل للأدب في العام 1982.

من صور زمن الفقر الذي مرّ به ماركيز هذه الصورة كما يكتب «مندوزا» - ترجمة فكري بكر محمود - «... في اليوم الذي التحق فيه بأوّل وظيفة في المكسيك، كمحرر في مجلة نسائية، كان نعل حذائه قد تآكل. رتّب صاحب المجلة، الذي كان أيضاً منتجاً سينمائياً معروفاً، للقائه في حانة، تعمّد

جابرييل أن يكون أوّل من يصل وآخر من يغادر حتى يخفي نعل حذائه المتآكل..».

لم تكن السنوات التي أمضاها ماركيز في باريس كافية ليتعلم الفرنسية، وأكثر من ذلك يكشف في «رائحة الجوّافة» عن جهله بالأدب الفرنسي، وذلك في لقاء له مع الرئيس فرانسوا ميتران.. يقول.. «.. لا أعرف الأدب الفرنسي معرفة جيّدة بينما يعرفه هو بصورة عميقة..».. أخيراً، يسأله ميندوزا من هو الشخص الذي قابلته وأثار أبلغ اهتمامك؟.. يجيبه ماركيز:.. زوجتي، مرسيدس.

yabolouz@gmail.com