زهور للنساء

08-03-2019
د. حسن مدن

لعل من قبيل المفارقات أن تكون فكرة تخصيص يوم عالمي للمرأة استُوحيت من أحداث جرت في الولايات المتحدة الأمريكية، تماماً كما هو الحال مع فكرة تخصيص يوم عالمي للعمال، في الأول من مايو من كل سنة.

ونقول إنها من قبيل المفارقات؛ لأن الاحتفاء بالمناسبة ارتبط تقليدياً بمناهضة السياسات التي يُنسب تبنّيها عادة إلى الولايات المتحدة؛ كونها البلد الرأسمالي الأقوى في العالم، وإن المناسبتين كانتا محل احتفاء واسع في الدول الاشتراكية قبل سقوط النظم التي حكمتها بعد الحرب العالمية الثانية حتى تسعينات القرن المنقضي.

أصل الحكاية أنه في مثل هذا اليوم من العام 1857، خرجت آلاف النساء إلى شوارع نيويورك، للاحتجاج على الظروف غير الإنسانية التي كُنّ يُجبرن على العمل فيها، فقمعتهن الشرطة بوحشية، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المتظاهرات. وعلى الرغم من ذلك، فإن المسيرة وضعت قضية المرأة وحقوقها على جدول الأعمال.

وفي 8 مارس 1908، عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع نيويورك ذاتها، حاملات قطعاً من الخبز اليابس، وباقات من الورود في خطوة رمزية، تُعبّر عن الشعار الذي اخترنه لحركتهنّ الاحتجاجية: «خبز وورود».

بعد هزيمة الفاشية اعتُمد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في باريس عام 1945، وإحياءً لذكرى الضحايا من النساء اعتُمد الثامن من مارس يوماً عالمياً للمرأة، باقتراح تقدمت به القائدة النسوية الألمانية المعروفة كلارا زيتكين في المؤتمر المذكور.

بعد عقود، وتحديداً في عام 1975، ‮بمناسبة السنة العالمية للمرأة، قررت الأمم المتحدة اعتماد الثامن من مارس بالذات، يوماً عالمياً للمرأة، فلم يعد الاحتفال به مقتصراً على الحركات النسوية، ومؤسسات المجتمع المدني وحدها، وإنما انضمت إليها الحكومات أيضاً في الاحتفاء به على المستوى العالمي.

وفي 8 مارس، عيد الجمال والربيع ورهافة الحس، نهنئ كل النساء؛ الأمهات والزوجات والحبيبات والأخوات والزميلات، ونحيي بشكل خاص، النساء اللائي انتظرن ولم يزلن، قدوم أحبة غيّبهم الليل العربي على امتداد رقعة هذا الوطن المنكوب.

يقارن الشاعر مريد البرغوثي في أحد نصوصه بين امرأتين «سيدة تعرف كل محال الفضة في باريس وتشكو، وسيدة تبكي كل خميس في خمس مقابر وتكابر».

للنساء المكابرات في فسحة الكبرياء التي ما زالت متاحة بسببهن، سويداء القلب ورحيق الزهور، حتى يطل علينا زمن «نُعلّق فيه في الغرف، لوحاتنا الغامضات، وليس شريط السواد على صور الغائبين» كما يشتهي مريد، ونشتهي.

madanbahrain@gmail.com