ترامب وكيم.. انعدام للثقة

08-03-2019
علي قباجه

بدأت العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية تأخذ منحنى آخر، بعد فشل القمة التي جمعت دونالد ترامب ونظيره كيم جونغ أون، في أواخر فبراير/ شباط الماضي في فيتنام؛ بسبب إخفاق الرئيس الأمريكي في دفع «الشمالية» إلى تفكيك ترسانتها النووية، واشتراط الأخيرة رفع كامل العقوبات التي ألمت ببيونج يانج قبل الحديث عن تفكيك الأسلحة، وهو الأمر الذي عكّر مسار الاجتماع، الذي خُطط له لأشهر عدة، بل إن تبعاته تواصلت؛ إذ أعادت كوريا الشمالية بناء جزء من موقع لاختبار الصواريخ كانت بدأت في تفكيكه بعد تعهدها بذلك في أول قمة مع ترامب في العام الماضي، ليدفع ذلك مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون إلى التهديد باحتمال فرض عقوبات جديدة، ما لم تتخلَّ بيونج يانج عن برنامجها للأسلحة النووية.
إن ارتفاع حدة اللهجة بين العدوين اللدودين، يشير إلى عودة الأمور إلى نصابها الأول، فكوريا الشمالية تعد إصرار الولايات المتحدة على المساس ببرنامجها الصاروخي قبل رفع العقوبات هزيمة محدقة بها، ومحاولة أمريكية للالتفاف عليها، والمساس بسيادتها وعنصر القوة الذي تملكه؛ إذ إنها تطمح لتحقيق مردود حاسم وملموس مقابل التخلي عن صواريخها، بينما واشنطن لا تثق بالشمالية، ولا تستطيع التسليم لها، وترفض رفع العقوبات قبل أن تقنع ببعض الإنجازات على الأرض. وبين عدم الثقة المتبادلة فإن الأزمة المتصاعدة بقيت تراوح مكانها.
وبالعودة إلى القمة الفاشلة، فإن ترامب الذي اعتمد عليها، وزكّى الزعيم الكوري الشمالي، وكال له الكثير من المديح في الماضي، يواجه أسئلة جمة من شعبه، ومن الكونجرس، الذين لطالما انتقدوه؛ لغموضه في التعامل مع هذا الملف، واتهموه بأنه يحاول تحقيق إنجاز كبير في هذا المضمار؛ للتغطية على كم هائل من إخفاقاته الداخلية والخارجية، فترامب يحاول تحقيق انتصار بحجم حل مشكلة متراكمة لعشرات السنين؛ لتشفع له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويتسنّى له البقاء في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى. وهو ما يثير حفيظة بعض أقطاب أمريكا، الذين يرون أنه يعمل لصالحه الشخصي على حساب الأمن القومي، وهذا الأمر كان سبباً مهماً في إخفاق اجتماع فيتنام.
أما كوريا الشمالية، فإنها بالتأكيد لن تُسلم للولايات المتحدة بسهولة، فهي تريد جني بعض الإنجازات، من خلال دفع واشنطن للتنازل، والتعامل معها ندّاً لند، وكما أنها تسعى إلى تحقيق إنجازات اقتصادية من خلال مطالبتها برفع الحصار، فهي أيضاً تطمح لمكاسب سياسية تضمن لها مزاحمة الكبار، في حين أنها لا تعمل وحدها، بل تعتمد على الصين وروسيا اللتين تقفان وراءها، وتلقى منهما دعماً غير محدودٍ، في صراعها مع الولايات المتحدة؛ ولذا فإن نبرتها مرتفعة، وثقتها بقدراتها كبيرة.
ازدياد سخونة العلاقات، وارتفاع مؤشر التوترات، يضع العالم على شفا صفيح ساخن، فقد تتطور الأحداث لصدامات عسكرية لا يمكن التنبؤ بنتائجها، ولن تكون ارتدادات التعارك فقط على واشنطن وبيونج يانج، بل إن كلا الطرفين يملكان النفوذ، وهو من شأنه أن يوسع دائرة النار، فكوريا الشمالية واقعة بين فكي كماشة جارتيها الجنوبية واليابان، بينما الولايات المتحدة، لن تسلم من كيد موسكو وبكين، اللتين تقفان على مسافة قريبة من الشمالية.. لذا فإن عدم تحكيم الدبلوماسية في الخلافات سيكون ثمنه وخيماً على المتصارعين في هذه الأزمة والعالم.

aliqabajah@gmail.com