قمة جوبا الثلاثية

07-03-2019
فيصل عابدون

القمة الثلاثية لزعماء إثيوبيا وإرتريا وجنوب السودان، يمكن النظر إليها من زوايا عدة بينها اعتماد التعاون لمواجهة تحديات التنمية في الدول الثلاث، وبينها بادرة أولية لبناء تكتل في منطقة شرق إفريقيا يستند إلى تفعيل القوة الاقتصادية والموارد البشرية والنفوذ السياسي، وفي ثناياها أيضاً استباق التداعيات المحتملة للأحداث الراهنة في السودان بترتيبات جماعية لاحتواء السالب وإدماج الموجب في إطار الراهن والمستقبلي.
فالسودان هو الحاضر الغائب في قمة الزعماء الثلاثة آبي أحمد وأسياس أفورقي وسلفاكير ميارديت. حيث تتداخل حدوده البرية على شكل شريط حدودي ممتد من إرتريا إلى إثيوبيا وجنوب السودان ويجمع الدول الثلاث في وحدة جغرافية واحدة تتداخل وتتشابك وتتشابه في طبيعتها البيئية ومناخاتها وقبائلها.
وتمثل إثيوبيا في هذا التكتل الجديد القاطرة والرافعة وتميمة النجاح. فهي تملك مفاتيح التجربة في مجالات التنمية والمصالحات السياسية الداخلية والخارجية. وتقول الإحصاءات إن هذه الدولة المحورية كانت في العام 2000 أحد أكثر بلدان العالم فقراً وتهددها المجاعة، إلا أنها تمكنت من القفز خطوات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وباتت واحدة من الدول الخمس الأسرع نمواً في العالم، ومن أكثر الأماكن استقراراً في إفريقيا، في منطقة تسودها الصراعات وعدم الاستقرار. كما أنها مرشحة في العام 2025 لاحتلال المرتبة الرابعة بين أكبر المراكز التصنيعية في إفريقيا.
وعلى الصعيد السياسي فقد أطلقت القيادة الإثيوبية عملية المصالحة الداخلية ومنحت آلاف الأشخاص والمنظمات العفو والأمان، بعد أن كانوا يعتبرون من الإرهابيين. وتمت دعوة جميع المجموعات المعارضة، سواء كانت في إثيوبيا أو خارجها، للانضمام إلى التحول السلمي. وأرست الأرضية الملائمة للتعاون المثمر مع إرتريا بعد المصالحة التاريخية وفتح الحدود المشتركة لحركة المواطنين والبضائع على جانبي الحدود.
أما إرتريا ذات الموقع الاستراتيجي المهم والتي تملك الموانئ البحرية على البحر الأحمر، والموارد المائية والزراعية الهائلة، فهي تمثل قوة الإسناد الأكثر أهمية. خاصة مع انفتاحها على مبادرات التعاون الإقليمية وبعد قرار مجلس الأمن الدولي رفع العقوبات المفروضة عليها منذ العام 2009. ويمثل جنوب السودان الذي استضاف لقاءات الزعماء الثلاثة مستودعاً للأراضي الزراعية والمياه والنفط والمعادن والذهب.
لقد كانت النزاعات الداخلية والحروب الأهلية عائقاً دائماً أمام مسيرة التنمية والتطور في الدول الإفريقية. وفي جنوب السودان بشكل خاص تسبب الاقتتال بين الفصائل وخلافات القادة السياسيين في وقف نمو الدولة الوليدة وعجزها عن الإيفاء بمتطلباتها الأساسية للمواطنين، ناهيك عن وضع ومتابعة الخطط التنموية الطموحة للمستقبل. لكن مبادرة السلام الجديدة التي تشق طريقها ببطء في الواقع السياسي تقدم أملاً لمستقبل أفضل.
كما أن التجربة الإثيوبية ستكون حاضرة على الدوام لتقديم الدعم والمساندة من واقع الخبرة الواقعية، وتقدم الحافز للتطلع إلى آفاق التطور المتكامل عبر منظومة متجانسة تمتلك الطاقات الظاهرة والكامنة والإرادة لتحقيق غاياتها. لقد كان ملائماً اختيار عاصمة جنوب السودان مقراً للقمة. وكان ملائماً أكثر اختتام اللقاء باتفاق واقعي قضى بإنشاء طريق بري يربط الدول الثلاث. فالبنى التحتية أساس التطور والتنمية.

shiraz982003@yahoo.com