التغيير ورهانات الشارع

07-03-2019
كمال بالهادي

المطالب بالتغيير و انتهاج إصلاحات شاملة في الدول العربيّة، هو أمر أقرّته القمة العربيّة في العام 2004، حيث أقرّ الزعماء العرب، في قمة تونس، بأنّ سياسة الناس بالأساليب القديمة لم يعد مقبولاً، فضلاً عن أنّ غياب الإصلاح السياسي، يخلّف خسائر كبرى على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي.
غير أنّ قرارات قمّة 2004، لم يترك لها الوقت الكافي لتنضج على مهل، بالرغم من الخطوات المهمة التي تم قطعها في ذلك الوقت لتحقيق الانتقال الديمقراطي، حيث، تمّ الانتقال إلى طرق أخرى للتغيير، وأهمها طريقة اللجوء إلى الشارع، ليس لإسقاط الأنظمة فقط، بل اتخذت وسيلة لتدمير الدول. وبعد عودة العقلانية إلى كثير من النخب العربيّة، بعد مراجعات لما حدث منذ العام 2011، إلاّ أنّ هناك عودة لاستحضار التغيير عبر الشارع، تفاعلاً مع ما يحدث في الجزائر على خلفية ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة. وحتى نفهم مسار ما حدث، ومسار ما يمكن أن يحدث، والمآلات التي قد تكون حصيلة سنوات العنف الفوضى علينا أن نعود إلى قمة 2004، وما دفع إليها، وما نتج عنها.
عندما كان الزعماء العرب يستعدون لعقد قمة عادية في آذار/ مارس 2004، دفعت إدارة البيت الأبيض إلى الجامعة العربية بورقة حول ما عرف في ذلك الوقت بمبادرة الشرق الأوسط الكبير التي تقوم على فرعين اثنين، الأول هو التطبيع الشامل مع دويلة الاحتلال، والثاني هو مباشرة عملية إصلاح سياسي واسعة، تمكن الشعوب العربية من المشاركة في الحياة السياسية ضمن مناخ ديمقراطي. وبالرغم من رفض الزعماء العرب في ذلك الوقت لمشروع الورقة، وتأجيل انعقاد القمة في تونس في اللحظات الأخيرة، وبروز خلافات جوهرية حول مسألة الإصلاحات، وحدودها، وآفاقها، إلاّ أنّ الخلافات حول كيفية التعامل مع مسألة الإصلاح، والضغوط الأمريكية القوية في ذلك الوقت، دفعت وزراء الخارجية العرب للاجتماع في بداية مايو/ أيار من السنة نفسها في القاهرة، لرسم خطة إصلاح مشتركة تستند إلى اقتراحات عدد من البلدان، منها مصر، والأردن، وقطر، وتونس، واليمن. ووفرت وثيقة القاهرة، المكونة من خمس صفحات تحت عنوان «مسار التنمية، والتحديث، والإصلاح في العالم العربي»، اللغة التي وردت في فقرتي إعلان تونس اللتين تعاملتا مع الإصلاح السياسي. الفقرة الأولى تتعهد بأن الدول العربية «تعيد تأكيد ارتباطها» بالحقوق الإنسانية، و»تعزيز» حرية التعبير، والفكر والعقيدة، واستقلالية القضاء. وتدعو الفقرة الثانية الدول العربية، طبقاً لوثيقة القاهرة، «إلى تقوية الممارسات الديمقراطية، وتوسيع المشاركة في الحياة السياسية والعامة، وتعزيز دور جميع مكونات المجتمع المدني وتوسيع مشاركة المرأة في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية». ولكن تلك الأهداف الكبرى لم يتحقق منها شيء، بل إن الممارسة الديمقراطية تراجعت إلى حين تمّت تهيئة ظروف الانفجار الكبير، بدل المضي في مسار الإصلاح الكبير. ويبدو أنّ يأس الولايات المتحدة من الإصلاح في الوطن العربي، ورغبتها في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، بكل الوسائل الممكنة، دفعها إلى تغيير التكتيكات مع إدارة أوباما الذي أعلن من القاهرة في عام 2009، أن العالم العربي مقبل على تحولات كبرى، وهي كلمة السر في ما حدث بعد ذلك، وما يحدث إلى الآن.
السؤال الذي يطرح هنا، لماذا فوت العرب على أنفسهم، تطبيق وثيقة صاغوها بأنفسهم، وكان يمكن أن تؤدي إلى تفادي الكوارث التي تحصل منذ 2011؟ ولماذا انحدر العرب إلى تدمير أوطانهم بدل المساهمة في تطويرها؟ لنقل إنّ كلمة السرّ في تفويت فرصة الإصلاح هي مكانة مشروع الإسلام السياسي من تلك الإصلاحات. فالقادة العرب كانوا يرفضون انخراط جماعات الإسلام السياسي في أيّ مشروع تغيير، لقناعة راسخة بأنّ هذه الجماعات ما دخلت أرضاً إلا وأفسدتها. ونماذج أفغانستان، والجزائر في حقبة التسعينات، والمخططات التي كانت تعلمها أجهزة المخابرات والعمليات الإرهابية التي كان يجري تنفيذها في أكثر من مكان، كلها عوامل كانت تحول دون قبول جماعات الإسلام السياسي كشريك في الحياة العامة. غير أن إدارة أوباما نفذت ما تعهدت به، ودفعت بالإسلاميين إلى الحكم، أو إلى الشارع، والنتائج التي كان القادة العرب يتخوفون منها، نعيشها اليوم بكل تفاصيلها المؤلمة.
الدعوات اليوم إلى العودة إلى الشوارع، هي قفز نحو المجهول، بالنظر لحجم المتربصين بدولنا، وبحجم المتآمرين على مستقبلها. ومؤشّرات الجزائر، هي أكبر دليل على أنّ هناك مخططات لاستكمال ربيع الفوضى والخراب.

belhadikamel85@gmail.com