الإنسان الذي يتطور ويخاف

06-03-2019
شيماء المرزوقي

قدرة الإنسان على التطور والتكيف مع كل جديد تدعو للدهشة والتأمل؛ لأن القصة تتكرر أمام كل جديد، الأصوات نفسها، والمواقف نفسها، والمعطيات والمبررات نفسها، والمخاوف والتحذيرات نفسها. لا شيء يختلف سوى عنوان الموضوع العام، أما ما يحتويه ذلك الموضوع ويتم ترديده، فهو متشابه تماماً، وأقصد بالقصة هي تلك الأصوات التي تتخوف وتحذر عند قدوم أي تقنية جديدة.

عند دخول البشرية نحو أي حقبة من التطور والتقدم ومعها تستخدم وسائل وتقنيات جديدة، تبدأ أصوات لم تستوعب هذا التطور، لم تستوعب هذه النقلة الحضارية، فتقف موقف المعارض والمحذر وبشدة، ويتم ترديد كلمات من التهويل. هذه النغمة سمعناها مراراً في عالمنا العربي، فعندما بدأت شبكة الإنترنت، ضجت المجالس والمنتديات، بل عقدت ندوات ومحاضرات ومؤتمرات خرجت عنها توصيات وبنود، كان همّ جميعها كيفية مواجهة هذه الشبكة العنكبوتية، فاجتاحتهم وابتلعت كل توصياتهم وجميع بنود اجتماعاتهم.

وخرجت نفس هذه الأصوات عندما بدأ البث المباشر للقنوات الفضائية، وإمكانية استقبالها بالأجهزة التي توضع على أسطح المنازل، ثم انهمرت قنوات التلفزيون العالمية بين يديك في تحدٍّ للحدود المجتمعية، وتجاوز لكل الخطوط، وفي تشابك للقيم والمبادئ البشرية بشكل غير معهود، وهذه شكلت صدمة كبيرة تداعى لها الكثيرون بين محذر ومتخوف، لكن الواقع أكبر، فقد بتنا نتنقل بينها، وكأننا نتجول بين إذاعات الراديو.

نفس هذا السيناريو تمت إعادته مع الهواتف المتحركة، حيث تكررت المخاوف، ومع وصول أجيال جديدة من هذه الهواتف، والتي سميت بالذكية كانت تلك المخاوف قد وصلت لذروتها، والذي حدث أنه تم تجاوز تلك الأصوات ولم يبقَ لا صغير ولا كبير إلا وبين يديه هاتف ذكي واحد على الأقل.

اليوم، نفس الأسطوانة تتكرر ونفس السيناريو يظهر، عندما بدأت حقبة الذكاء الاصطناعي بالظهور، لكنهم هذه المرة يستخدمون جميع الوسائل التي كانوا يخوفون ويحذرون الناس من استخدامها أو التعامل معها، يستخدمونها في مقاومة هذا التطور الجديد، الهواتف الذكية وتطبيقاتها المختلفة والقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت بصفة عامة، جميعها منصات نشاهد هؤلاء يتخذونها منطلقاً للحديث عن الذكاء الاصطناعي، ومن خلالها يكررون نغمات الرفض والتحذير.

عدة دول من العالم حزمت أمرها، وتوجهت نحو تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقررت أن تكون مبادرة في هذا المجال، تماماً كما في الإمارات، التي لديها قصب السبق، وخبرة يمكن للدول الشقيقة المترددة أن تستفيد منها، سواء في الخطط ووضع الاستراتيجيات، أو في بناء الكوادر البشرية وتدريبها.

Shaima.author@hotmail.com

www.shaimaalmarzooqi.com