هل تتدخل واشنطن عسكرياً ضد فنزويلا ؟

06-03-2019
مارتن سيف *

يبدو وكأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون، و «المبعوث الخاص لإعادة الديمقراطية إلى فنزويلا» إليوت أبرامز يسهمون في تعزيز نفوذ روسيا والصين.
إذا كانت روسيا والصين تريدان حقاً تقويض الأمن القومي للولايات المتحدة، فسوف تسعيان إلى توريط واشنطن في حرب مفتوحة جديدة في بلد بعيد عن أي منهما، ومن دون أن تكون للولايات المتحدة أي مصالح استراتيجية في هذا البلد - باستثناء الجشع والنفوذ.
ومثل هذه الحرب سوف تستهلك أيضاً حصة كبيرة من ميزانية الدفاع الأمريكية، يمكن إنفاقها على نحو أفضل من أجل تحديث القوات المسلحة الأمريكية. وفي الواقع، أكدت شهادات العديد من المسؤولين الأمريكيين أمام الكونجرس، خلال السنتين الأخيرتين، أن القوات المسلحة الأمريكية باتت تعاني ضعفاً بالرغم من اعتماد ميزانيات دفاع ضخمة. وهذه شهادة على عدم كفاءة، وفساد وتبذير المجمع العسكري - الصناعي - الكونجرسي في أمريكا.
وفوق كل ذلك، تورط الولايات المتحدة في مثل هذه الحرب سوف يضعف القوات المسلحة الأمريكية، ويدفعها بعيداً عن تحقيق هدفها الاستراتيجي الرئيسي الذي حددته إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهو التركيز على التنافس مع القوى الكبرى - أي أساساً روسيا والصين.
وفي الواقع، هوس أمريكا بإثارة مواجهة عسكرية شاملة مع فنزويلا لا يتناسب مع أجندتها الطموحة، بل على العكس، سوف يضمن إخفاقها.
ويبدو أن بومبيو وبولتون وأبرامز قد نجحوا في إقناع الرئيس ترامب بأن ضرب فنزويلا سوف يحرم روسيا من الدولة الرئيسية الصديقة لها في النصف الغربي للكرة الأرضية. ويضغط بومبيو وبولتون وأبرامز بقوة من أجل دفع القوات المسلحة الأمريكية إلى خوض معركة في فنزويلا؛ لإسقاط رئيسها المنتخب ديمقراطياً نيكولاس مادورو، وإحلال صديق أمريكا رئيس البرلمان الفنزويلي خوان جوايدو محله.
وقد تحرك الأسطول الرابع الأمريكي بالفعل في البحر الكاريبي، في حين يدفع بولتون من أجل نشر قوات عسكرية كبيرة في كولومبيا، المجاورة لفنزويلا، والتي بالمناسبة تشكل خطراً أكبر بكثير من فنزويلا على الأمن القومي الأمريكي؛ بسبب شحناتها السرية من المخدرات إلى الولايات المتحدة. ولكن لماذا تخاطر أمريكا بمثل هذه المغامرة؟. إن الثروة البترولية الهائلة لفنزويلا هي بالتأكيد هدف مغرٍ بالنسبة لها. ولكن محاولات أمريكية سابقة لتغيير أنظمة، أبرزها في أفغانستان والعراق، كانت بمثابة فشل ذريع بدلاً من أرباح طائلة.
والأمر الغريب هو أن مستشار الأمن القومي بولتون يبدو غافلاً عن طيش وحماقة شن هجوم على فنزويلا، والمخاطرة بحرب لا نهاية لها في بيئة أدغال استوائية لأول مرة منذ حرب فيتنام قبل نصف قرن.
وفي الوقت الراهن، القوات المسلحة الأمريكية منهكة أصلاً؛ نتيجة لحربي أفغانستان والعراق، ولتورط أمريكا الخطِر في الالتزام عسكرياً بضمان أمن أوكرانيا وجورجيا ودول البلطيق - وهو تورط طائش يمكن أن يتحول إلى حرب عالمية.
إن القوات المسلحة الأمريكية بأمسّ الحاجة الآن إلى فترة سلام وانكفاء عسكري؛ من أجل استعادة قوتها، وإعادة تجهيز قواتها المسلحة- كما حدث في عهدي الرئيسين دوايت أيزنهاور في الخمسينات، ورونالد ريجان في الثمانينات- ولكن بولتون، باندفاعه، يمكن أن يحرم أمريكا من هذه الفرصة.
وأمريكا هي بأمسّ الحاجة أيضاً إلى أن تتذكر عبقرياً استراتيجياً عظيماً أثبت حكمته وكفاءته قبل قرنين ونصف القرن، هو ملك بروسيا فريدريك العظيم، الذي حذر من أن «أولئك الذين يحاولون الدفاع عن كل شيء لن يدافعوا عن أي شيء».
وقبل 120 سنة، طبق أسياد الإمبراطورية البريطانية هذا المبدأ ذاته: فقد ارتضوا تسوية خلافاتهم مع الإمبراطوريتين الروسية واليابانية؛ من أجل التركيز أولاً على التهديد الوجودي الذي واجههم آنذاك، وهو صعود ألمانيا الإمبراطورية.
غير أن بومبيو وبولتون وأمثالهما يتغافلون عن مثل هذه السوابق؛ إذ إن توريط بلدهم في فنزويلا يمكن أن يضعف القوة الأمريكية، حتى أكثر مما فعلت أفغانستان والعراق.
وهم يتغافلون أيضاً عن واقع أن تورط بلدهم في مستنقع حرب أخرى سوف يعود بنفع عظيم على القوتين العالميتين المنافستين لأمريكا: روسيا والصين.

* صحفي أمريكي مخضرم عمل في أكثر من 70 بلداً وغطى تطورات 12 حرباً - موقع «استراتيجيك كلتشر»