رجل الأدب الروسي

05-03-2019
يوسف أبو لوز

لم أقرأ شيئاً يشير إلى تكريم المترجم المصري د. أبوبكر يوسف مصرياً أو عربياً في حياته. رحل أمس الأول عن 79 عاماً الرجل الذي كان في حجم مؤسسة ترجمانية وحده في السبعينات من القرن العشرين مشتغلاً على نقل علامات كبيرة في الأدب الرّوسي إلى العربية. وميزة مشروع أبوبكر يوسف الترجماني أنه ينقل من الروسية إلى العربية مباشرة من دون حاجة إلى لغة وسيطة مثل الإنجليزية والفرنسية، وما أكثر من نقلوا آداباً روسية إلى العربية عبر هاتين اللغتين «المركزيتين» في الثقافة الغربية وحتى العالمية، في حين قرأنا بلغة صافية أوّلية كلاً من: دوستوفسكي، بوشكين، ليرمنتوف، جوجول، مكسيم جوركي، تشيخوف بترجمات أبوبكر يوسف، هو الذي درس الأدب الرّوسي في موسكو، وعاش فيها في ستينات القرن العشرين حين كان في العشرين من عمره. وفي السبعينات والستينات كما هو معروف اشتهرت عربياً دار نشر موسكوفية هي «دار التقدم» التي نشرت أعمال أبوبكر يوسف، كما اشتهرت أيضاً دار نشر موسكوفية أخرى عمل فيها هي «دار رادوجا».

في تلك الآونة التي كانت تُباع فيها الكتب الرّوسية المترجمة إلى العربية بما يشبه الأسعار الرمزية شهدت الأرصفة بشكل خاص الكثير من رزم الكتب المطبوعة طباعة نظيفة ومجلّدة بأغلفة قويّة، وكان المهم بالنسبة لموسكو أن يصل الأدب الرّوسي إلى القارئ العربي بأي قناة متاحة وميسّرة، ففي نسيج هذا الأدب ثمة رسالة إيديولوجية إلى جانب الرسالة الأدبية الثقافية، وكان الحصول على مترجم ينقل إلى العربية بمهنية ترجمانية بمثابة الحصول على كنز، فما بالك إذا كان هذا المترجم درس في موسكو وفيها عاش، وأصبحت تركيبته الثقافية مؤلفة من مكوّنات فكرية وإيديولوجية روسية؟

في تلك البيئة الأدبية والعقائدية الرّوسية (الاتحاد السوفيتي سابقاً) وجد د. أبوبكر يوسف نفسه في قلب ترجمة الأدب بشكل خاص، وبصرف النظر عن كونه «كنزاً» بالنسبة لدور نشر موسكوفية وجدت فيه فرصتها الذهبية كجسر ثقافي بين ثقافتين روسية، وعربية، فإن الرجل كان يمتلك نبله الثقافي الخاص، وكان يترجم أدباً عالمياً إنسانياً الكثير منه مُتحرّر من الإيديولوجيا، فحاز احترام المثقفين الروس، والمثقفين العرب.

على المستوى الرّوسي، منح اتحاد أدباء روسيا العضوية الشرفية للدكتور أبوبكر يوسف في العام 2000، أي وهو في نحو الستين من عمره، وفي العام 2012 جرى تكريمه بمنحه ميدالية بوشكين. أما على المستوى العربي، والمصري بشكل خاص، فيبدو أن الرجل كان يعيش فيما يشبه العزلة. والآن، وقد رحل بصمت، هناك من يصفه ب«شيخ المترجمين العرب»، فيا لها من مفارقة غير مفهومة، إن لم تكن استفزازية.

yabolouz@gmail.com