ثلاث محطات غيرت الناس

05-03-2019
شيماء المرزوقي

يقول العلماء إن البشرية مرت بمراحل عديدة للتطور، وإن ما نتربع عليه اليوم ما هو إلا نتاج لمسيرة طويلة من التجارب وتراكم هائل للخبرات والكثير جداً من التضحيات. ولا غرابة ولا استغراب بأن يكون مثل هذا الكلام صحيحاً، لأننا فعلاً نعيش في عصر التكنولوجيا والتقنية وهي حقبة تقدم للإنسان الرفاه والعيش الرغيد، ولكن العلماء المختصين بالتاريخ ودراسات التطور البشري يلقون بملاحظة جديرة بالتوقف عندها ملياً، لأنها مؤشر قوي للتطور السريع الذي يتوجه نحوه الإنسان، وأيضاً معرفة الدرجة التي قد نصل فيها عاجزين تماماً عن اللحاق بكل هذه التطويرات.

على سبيل المثال، يعطي هؤلاء المختصون مثالين واضحين للتطور البشري، الأول ما تسمى بالثورة الزراعية، ويقصد بها توجه الإنسان نحو الاستيطان واستصلاح الأراضي وزراعتها والاستقرار وأن البشرية استغرقت نحو عشرة آلاف عام لتستوعب هذا التطور ليعم كافة أرجاء العالم. أما الحدث الثاني فهو يتمثل في الثورة الصناعية، التي يقدر البعض أن بدايتها كانت قبل نحو مئتي عام وتركزت تحديداً في أوروبا، ولكن البشرية استوعبت هذه الثورة سريعاً وانتشرت في العالم. ويقدر العلماء أنه مع نهاية القرن الثاني والعشرين سيكون في كافة أرجاء الكرة الأرضية حراك صناعي، بمعنى أن تصبح الصناعة مشاعة بين الناس وبسهولة، وهذا يعني أن البشرية في ثورتها الأولى، وهي الثورة الزراعية، استغرقت نحو عشرة آلاف عام لتنتشر، وفي الثورة الثانية الصناعية، وحسب تقديرات العلماء، فإنها لن تتجاوز الأربعمئة عام.

وبغض النظر عن الصحة المطلقة لتلك الأرقام والتقديرات، إلا أن الهوة الزمنية في فهم واستيعاب الإنسان للثورة الأولى ثم فهمه للثورة الثانية توضح نقطة جوهرية هي أن الإنسان كائن يتطور. لذا مع الثورة الثالثة، إذا صحت التسمية، وأقصد ثورة التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي، فإنه سيكون مقدراً لها أن تعم الكرة الأرضية في غضون عقود قليلة، ولهذا القول دلالة من الواقع، تتمثل في الانتشار الواسع والسريع للهواتف الذكية وما يترافق في العادة معها من تطبيقات وخدمات الشبكة الرقمية حيث قلما تجد مكاناً في الأرض لا يستخدم السكان فيه هذه التقنية. العالم استوعب في غضون سنوات قليلة الثورة الثالثة من التطور بكل ما تحمله من أدوات وتقنيات حديثة ومنها الذكاء الاصطناعي، وهذا ما نراه فعلاً يتحقق على أرض الواقع. ووفق هذه المعطيات يصبح العالم الآن على أعتاب الثورة الرابعة.

Shaima.author@hotmail.com

www.shaimaalmarzooqi.com