«الغولة» الإلكترونية

05-03-2019
مارلين سلوم

حكايات الرعب لا تنتهي. في الماضي كانوا يخيفوننا بقصص عن «الغولة» و«الغول» و«الكف الأسود» و«الشبح».. وكانت مجرد روايات يؤلفها الكبار لإخافة الصغار من الاقتراب من مكان ما، أو اقتراف خطأ ما، وينطلق خيال الطفولة في رسم صور وأشكال لهؤلاء «الشياطين» الذين «قد» يخرجون لنا في العتمة.
«الغولة» صارت إلكترونية، وبما أنها قادرة بفعل التطور والتكنولوجيا على الوصول إلى الجميع بلا أي استثناء، وتطارد الإنسان كظله، قرر «شياطين التكنولوجيا» الذهاب بها إلى ما هو أبعد من مجرد إثارة الذعر في النفوس ورفع نسبة الأدرينالين خصوصاً لدى الصغار، فجعلوا الغولة الإلكترونية محرضة على القتل أو الانتحار، وما على الصغار سوى التنفيذ.
«مومو» هي الغولة الحديثة التي تبث الذعر في النفوس. ظهرت العام الماضي وكانت موجهة إلى المراهقين تحت مسمى «تحدي مومو». وبتحريض من العنفوان الشبابي، وبسبب رواج موضة «التحديات» على أشكالها وأنواعها عبر يوتيوب ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، انساق بعضهم خلف هذا التحدي، بداية من تنفيذ طلب «مومو» بالتواصل مباشرة من خلال مراسلتها عبر «واتساب»، مستخدمين هواتفهم المحمولة. وهنا تكمن الكارثة الأكبر، فمن يقف خلف «مومو» يتسلل إلى الهواتف ويخترق الصفحات وملف الصور مستغلاً «سذاجة» الصغار وخوفهم من تهديداته لهم، ومن التأثير السلبي الذي تمارسه «مومو» بشكلها «الموميائي» المرعب، والمشاهد الدموية التي يرسلونها.
الرعب يضع الأطفال في حالة من الانسياق التام خلف أوامر اللعبة، يشل تفكيرهم ويسلب عقولهم، فينفذون الأوامر التي تصل إلى الذروة بطلب إيذاء الآخرين أو النفس، وارتكاب جرائم حقيقية منها الانتحار.
هل عادت «مومو» للظهور مجدداً أم هي مجرد شائعات؟ لا يهمنا البحث عن مصدر الخبر، بل علينا أن نفترضها حقيقية الآن، ونعمل على منعها من التسلل إلى هواتف وألعاب أطفالنا. «إنها موضة قديمة» يقول المراهقون، حسناً، لكن الصغار لا يعرفون القديم من الحديث، ومعرضون كل يوم وكل لحظة للانجراف خلف موجات التحدي الكثيرة والخطيرة، و«الحوت الأزرق» شاهد على الضحايا الأبرياء الذين حصدهم تحت ستار الألعاب الإلكترونية.
هؤلاء «الشياطين» يستفزون الصغار فيدفعونهم إلى إثبات قدرتهم على التحمل والجرأة في المواجهة، وأنهم أقوياء «لا جبناء»، فيسوقونهم كالخراف إلى العنف والتوتر والتعوّد على مشاهد الدماء والقتل والذبح.. يقتلون البراءة في نفوسهم، وغايتهم جعلهم وحوشاً، أو مجرمين، والهدف الأول سيادة الموت على الحياة ونشر الجريمة في المجتمعات.
أما كيف نحاربهم؟ بالوعي والتوعية والاهتمام بأطفالنا وشبابنا. مؤلم أن نرى أمهات وآباء لا يعرفون شيئاً عن صغارهم وماذا يفعلون طوال تلك الساعات التي يقضونها على الهواتف أو أي وسيلة أخرى. محزن أن يصير الصغار أسياد الوسائل الإلكترونية في المنزل، ويبتعد الأهل بحجة أنهم يجهلون هذا العالم وأسراره. الجهل اليوم ممنوع، والضوابط موجودة لمن شاء أن ينقذ صغاره ويحميهم.

marlynsalloum@gmail.com