«داعش».. سؤال التصنيف

05-03-2019
فيصل عابدون

يواجه تنظيم «داعش» الذي روع العالم بجرائمه الوحشية لحظاته الأخيرة في منطقة ظهوره الأولى في سوريا والعراق، ولكن تأثيراته ستظل باقية لفترة طويلة ترافقها أشكال جديدة من الجماعات بأسماء مختلفة ومناهج فكرية وعملية لا تختلف كثيراً في جوهرها.
هذه هي تقديرات الخبراء في مجالات الأمن والسياسة، وهي تقول ببساطة إن التنظيم لن يموت بعد هزيمته وطرده من دولته المزعومة بل سيعود للظهور مجدداً. وهذه الترجيحات تقودنا إلى سؤال حول حقيقة الجذور التي تغذي مثل هذه التنظيمات العنفية وما إذا كانت وليدة لحظتها وظروفها التاريخية المعينة أم أنها امتداد وتفرعات لأصل واحد.
لقد ظهر تنظيم «داعش» إلى الحياة في فترة الفوضى التي تلت الغزو الأمريكي للعراق، وقبل ظهوره كان هناك تنظيم القاعدة الذي نفذ الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك انطلاقاً من مركزه في أفغانستان، وتنظيم «داعش» هو انشقاق عن تنظيم القاعدة، وقادته هم قادة سابقون في تنظيم القاعدة التي ظهرت بدورها من رحم الجماعة الإسلامية المتطرفة، وبترتيب من الولايات المتحدة لمقاتلة الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان.
والجماعة الإسلامية هي التي أطلقت العنف في شوارع المدن المصرية وهي التي أسست مشروعيتها في إقامة الدولة الإسلامية على استراتيجية قتل عناصر الشرطة ومهاجمة السياح بالرصاص والقنابل، قبل أن تحاصرها السلطات وتقضي على شرورها قبل أن تستفحل.
ولكن قبل أن تنتقل الجماعة الإسلامية إلى أفغانستان وتجد الحاضنة القبلية ومراكز التدريب والتجنيد والقيادة والسيطرة وتستقوي أكثر، كان قادتها وعناصرها يعملون ضمن كارتل موجود بالفعل، وظل على مر السنوات يستولد أشكالاً من الجماعات التي تعتنق فكرة الحرب ضد المجتمعات والدول وتثير الفوضى وتلهب مشاعر الكراهية. كانت الجماعة الإسلامية التي تحولت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة ثم إلى «داعش»، جزءاً من تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.
فالتصنيف الصحيح لتنظيم «داعش» أنه كان يمثل الجناح العسكري لتيار الإسلام السياسي. كان يمثل طموحات الجماعة وذراعها الضاربة للوصول إلى السلطة بعدما فقدت سلطة الحكم في أفغانستان. كان التطور الأوسع انتشاراً من تنظيم «القاعدة» التي كسرت القواعد عندما تخطت الحدود الإقليمية ووجهت ضربتها إلى نيويورك.
وبعد إضعاف «القاعدة» ومحاصرتها واعتقال قادتها ومحاكمتهم، ظهرت الذراع العسكرية الجديدة في العراق تقتل وتصلب بلا هوادة وفي وحشية لا مثيل لها في التاريخ المعاصر، ومضت تنشر فروعها في مناطق النزاعات الأخرى وتبث خلاياها السرية في المناطق الهادئة وتنظم حملات التجنيد في أوروبا وآسيا معتمدة بشكل أساسي على الأساسات النظرية والفكرية ذاتها وعلى وسائل التمويل المالي التي أسسها التيار الأساسي والتنظيم الأم هنا وهناك. ثم ينتقل التنظيم بسرعة إلى مرحلته التالية بإقامة الدولة، أي دولة، ولو كانت معزولة عن المحيط والعالم. ثم تسقط الدولة المعزولة عن التاريخ والحضارة.

Shiraz982003@yahoo.com