لماذا العودة الى سباق التسلح النووي ؟

05-03-2019
ميخائيل غورباتشوف *

بالرغم من كل شيء، لا يزال باستطاعتنا تجنب مواجهة نووية.
أثار انهيار معاهدة القوات النووية متوسطة المدى قلق السياسيين والناس العاديين عبر العالم كله. وأنا أيضاً قلق، ليس فقط لأنني وقعت هذه المعاهدة مع الرئيس الأمريكي ( الراحل ) رونالد ريغان في 1987. فما يحدث حالياً هو مظهر آخر على اتجاهات خطرة ومدمرة في السياسات العالمية التي تواجهنا اليوم.
إن الفكرة الأساسية التي وجهتنا إلى طريق توقيع معاهدة 1987 عرضت في البيان المشترك مع الولايات المتحدة، الذي تبنيناه في اجتماعنا الأول في جنيف: «لا يمكن الانتصار في حرب نووية، ويجب ألا تقع مثل هذه الحرب أبداً».
وقد كانت معاهدة القوات النووية متوسطة المدى الخطوة الأولى، حيث تلتها معاهدات أخرى: معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية ( ستارت 1 )، وإجراءات متبادلة باتجاه إزالة جزء كبير من جميع الأسلحة النووية التكتيكية ( الميدانية ).
كما أعادت كلتا الدولتين ( الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي/روسيا ) النظر في عقيدتيهما العسكريتين من أجل تقليل اعتمادهما على الأسلحة النووية، وتقليص أعداد هذه الأسلحة بنسبة أكثر من 80 % مقارنة مع ما كانت عليه في ذروة الحرب الباردة.
والعملية التي بدأت في ذلك الوقت كان لها تأثير تجاوز الأسلحة النووية. ففي 1997، تم توقيع معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، ثم اتفقت دول شرق وغرب أوروبا على تخفيضات بليغة لقواتها المسلحة وترسانات أسلحتها. وكان ذلك هو «عائد السلام» الذي استفاد منه الجميع - خصوصاً الأوروبيين - نتيجة لانتهاء الحرب الباردة.
ومنذ ذلك الحين، أفادت معاهدة القوات النووية متوسطة المدى أمن بلدنا، إذ حظرت نشر أسلحة قادرة على توجيه «ضربة فتاكة» قرب حدودنا.
ولا بد لي من أن أشير هنا إلى أن مسؤولين روس كباراً كانوا ينتقدون أحياناً المعاهدة بشكل غير عادل، ويتأسفون على تدمير صواريخنا. وكنت دائماً أعتبر أنه يتعين علي أن أرد على مثل هذه البيانات.
غير أنه في السنوات الأخيرة، اتخذت روسيا موقفاً مؤيداَ بصورة قاطعة لاستمرار معاهدة القوات النووية متوسطة المدى. ومع ذلك، يلوح الآن خطر كبير يهدد كل ما أنجزناه عبر السنين منذ نهاية الحرب الباردة. إنه قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، وهو قرار يهدد بنقض كل التقدم الذي تحقق.
وهذا لم يكن مجرد خطوة أولى من قبل الولايات المتحدة. إذ إنها سبق أن رفضت أيضاً المصادقة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ( الموقعة في 1996 )، في حين أنها اتخذت عام 2002 قراراًَ من طرف واحد بإسقاط معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية ( عابرة القارات).
فما الذي حدث؟ وهل كان هناك تهديد ما دفع الولايات المتحدة إلى تفكيك نظام للحد من الأسلحة النووية خدم مصلحة العالم طوال عقود؟
المعاهدة تنص بوضوح تام على أن كل طرف في المعاهدة يمكنه الانسحاب منها بسبب «أحداث طارئة» تعرض للخطر أمنه ومصالحه العليا. ولكن هل هناك الآن أي تهديد يعرض للخطر «الأمن والمصالح العليا» للولايات المتحدة ؟ وهل أبلغت الولايات المتحدة المجتمع الدولي، والرأي العام العالمي، ومجلس الأمن الدولي بهذا «الخطر»؟ كلا، لم تفعل.
الولايات المتحدة تبرر موقفها بالقول إن هناك بلداناً أخرى - خصوصاً الصين وإيران وكوريا الشمالية - تملك صواريخ متوسطة المدى. ولكن من المنطقي الاعتقاد بأن قرار واشنطن بالانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى لم يستند إلى الأسباب التي أوردها القادة الأمريكيون، وإنما إلى شيء مختلف كلياً: رغبة الولايات المتحدة في تحرير نفسها من أي قيود على تسلحها بهدف تحقيق تفوق عسكري مطلق.
وفي الواقع، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حديثاً: «لدينا من الأموال أكثر بكثير مما يملكه أي أحد. ولسوف نبنيها ( الترسانة النووية )».
وهذا يؤدي بديهياً إلى استنتاج أن الولايات المتحدة تريد إعادة تسليح جيشها لكي تملي إرادتها على العالم. وهل يمكن أن يكون هناك أي سبب آخر؟

* آخر رئيس للاتحاد السوفييتي - موقع «أنتي وور»