«صفقة» الفرص الضائعة

04-03-2019
يونس السيد

تتوالى محاولات الترويج ل«صفقة القرن» الأمريكية؛ لتسوية الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، قبيل طرحها رسمياً في سوق التداول العلني، وسط المزيد من التسريبات حول ماهية هذه الصفقة ومضمونها من دون الجزم بأي من بنود محتوياتها؛ كي لا تخرج الأمور عن محاولات جس النبض وردود الفعل المحتملة، مع إبقاء الجميع في دائرة التكهنات والانتظار، بدلاً من المعارضة والرفض.
بحدود التسريبات التي تأتي من الجهات الأمريكية و«الإسرائيلية»، وهي غالباً ما تكون متعمدة؛ لقياس ردود الفعل، فإن ما يتم الترويج له هو «صفقة سياحية» أكثر مما هي «صفقة واقعية» بالمفهوم البرجماتي؛ أي صفقة قابلة للنقاش والأخذ والرد والتعديل، تقوم على مرتكزات سياسية واقتصادية واسعة، بعيداً عن الحقوق الوطنية التاريخية والمشروعة للفلسطينيين والأطر القانونية وقرارات الشرعية الدولية لحل الصراع، أي أنها لا تتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وتلغي حقوق ملايين اللاجئين في العودة إلى ديارهم، كما أنها تتجاهل تضحيات هذا الشعب ومئات آلاف الشهداء والأسرى والمعاقين عبر العقود الماضية، ما يجعل منها صفقة ميتة قبل أن تُولد.
من المؤكد أن الصفقة تتضمن بنوداً سرية لا يجري الإفصاح عنها، بحسب مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، ومبعوثه للشرق الأوسط جيسون غرينبلات؛ ولكن حتى هذه البنود تصبح لا قيمة لها، طالما أنها لم تلامس جوهر الصراع ممثلاً في حقوق الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم، وفيما عدا ذلك، من المؤكد أن الصفقة ستواجه بالرفض والمقاومة. وباستثناء التسريبات التي كشفها وزير الجيش «الإسرائيلي» السابق أفيجدور ليبرمان، لمسؤولين فلسطينيين، من أن الصفقة تتضمن إقامة دويلة فلسطينية في قطاع غزة مع رفع الحصار وتسهيلات اقتصادية واسعة، ومنح «سيادة» للسكان من دون حقهم في «السيادة» على الأرض في أجزاء صغيرة من الضفة الغربية، وتحديداً في المنطقة «أ» التي لا تتجاوز 13 في المئة من مساحة الضفة، لا يوجد في الصفقة، بحسب كوشنر، سوى مساحة واسعة للجمل الإنشائية، التي تركز على حرية الفرص الدين والعبادة والاحترام، إضافة إلى الأمن. كوشنر يعد أن القضية الفلسطينية ولدت اليوم، ويدعو إلى وضع حد للخلافات السابقة وتجاوز «نزاعات الأجداد»، أي نسيان الحقوق الفلسطينية بما يتيح ل«الإسرائيليين» الاندماج في المنطقة؛ من أجل إتاحة الفرص لسكان المنطقة، وتوفير حياة أفضل لجميع شعوبها.
ولا ندري لمن يوجه الدعوة لحرية الدين والعبادة، فهي مصانة عند الفلسطينيين، ومن يقوم بالاعتداء على الحريات والمقدسات الدينية هو الجانب «الإسرائيلي» بشهادة المجتمع الدولي بأسره، أما الاحترام المتبادل فلا ندري أيضاً كيف يمكن أن تكون هناك مثل هذه العلاقة بين الاحتلال والشعب المحتل. أما الأمن فهو قطعاً للاحتلال ومستوطنيه، ولا نعتقد أن واشنطن معنية أصلاً بأمن الفلسطينيين، فكل ما في الأمر أن ينعم «الإسرائيليون» بالأمن والسلام. المشكلة أن الإدارة الأمريكية تتحدث عن خطة «متوازنة وواقعية»، وتراهن على تطبيع العلاقات في المنطقة، من دون أن تدرك أن التطبيع وحده لن يحل المشكلة، ما لم يترافق بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية؛ يأخذ في الاعتبار حقوقهم المشروعة كافة قبل أي شيء آخر.

younis898@yahoo.com