نهاية «داعش» الغامضة

04-03-2019
مفتاح شعيب

إذا كان صحيحاً أن تنظيم «داعش» الإرهابي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة في بلدة الباغوز، فإن النتيجة التي تبدو محسومة شكلاً ليست كذلك مضموناً، لأن الفكرة الإرهابية التي بنت هذه الفئة المجرمة مازالت تفسد في الأرض وتتخذ أشكالاً أخرى. أما ما يتهاوى، شرق الفرات، فهو الصورة التقليدية للتنظيم التي ترسخت على مدار السنوات الماضية بعد سيطرته على مساحات واسعة من أراضي سوريا والعراق، واستقطابه عشرات آلاف المتطرفين والمرتزقة من تيارات وجنسيات متعددة.
يحق للقوى التي حاربت التنظيم الفظيع أن تحتفل بالنصر عليه وتصفية من تبقى من عناصره الإرهابية، لكن ذلك لا يعني أن الحياة في اليوم التالي ستعود إلى طبيعتها أو أن العالم طوى الصفحة السوداء إلى غير رجعة، إذ هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن «داعش» يتشكل في فضاءات جديدة، ومازال القائمون عليه يحركونه هنا وهناك بما يخدم مصالحهم. ومن المثير للانتباه ما يتم تداوله من تقارير عن سير المعركة العسكرية ضد التنظيم في منطقة شرق الفرات. وفيما جرى التركيز على قضية إعادة «المقاتلين الأوروبيين» ونسائهم وأطفالهم إلى مواطنهم، تداولت تقارير أنباء عن تهريب عشرات من قيادات التنظيم إلى مناطق آمنة، بل هناك من يقر بأن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي في مكان آمن ويحظى بحماية قوة تدعي البطولة في الحرب على الإرهاب، بينما تحوم الشبهات حول مصير القناطير المقنطرة من الذهب التي يقال إنها كانت بحوزة التنظيم وجرى شحنها إلى ما وراء البحار.
صحيح أن المساحة الشاسعة التي كان يسيطر عليها «داعش» تقلصت إلى بضعة أمتار مربعة، لكن ذلك لا يحجب حقيقة أن التنظيم بدأ يغير جلده، ويتخذ قوالب أخرى، لاسيما أن أغلب المعروفين بانتمائهم للتنظيم لا يُعرف مصيرهم إن كانوا قتلوا أو يتجولون في أنحاء العالم بهويات مغايرة، ومثل هذه الحيرة مشروعة لأن التنظيم الذي ظهر وسيطر بسرعة قياسية ها هو «ينتهي» غامضاً دون أن تتم الإجابة عن أسئلة حارقة وحيرة ممتدة.
بالتزامن مع أنباء الانتصارات العسكرية على الإرهاب في سوريا والعراق يتسع نطاق الجرائم في إفريقيا جنوب الصحراء، ومن اللافت أن تنظيم «داعش» بدأ يسجل حضوره بقوة في عمليات إرهابية في دول مثل الصومال وكينيا وليبيا وتشاد ومالي ونيجيريا والكاميرون، وهي منطقة رخوة نسبياً وتستوطنها منذ سنوات جماعات تكفيرية مثل «بوكو حرام» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار الدين»، وكلها جماعات بايعت «داعش».
وهناك تقارير، ليس هناك ما يدحض ادعاءها، تشير إلى أن جماعات الإرهاب بدأت الهجرة إلى هناك مستفيدة من عوامل عدم الاستقرار وانتشار الجهل والفقر والنزاعات الإثنية، فضلاً عن الابتعاد عن مجال القوى الدولية الضاربة. وإذا كان هذا الزعم حقيقة، فإن «داعش» الذي يتوارى في سوريا ليس هناك ما يمنع ظهوره في قلب إفريقيا المثخن أصلاً بالصراعات الدولية والرغبات المتضاربة في السيطرة على الثروات والاستثمار في كل شيء بما فيه المتاجرة بالإرهاب.

chouaibmeftah@gmail.com