خرافة الحل الاقتصادي لمعضلة سياسية

04-03-2019
محمود الريماوي

لا شيء يثير الانطباع بأن جولة المستشار الأمريكي جاريد كوشنر إلى دول في المنطقة في بحر الأسبوع الماضي، قد حققت هدفها باجتذاب القبول لخطة الرئيس دونالد ترامب المعروفة ب«صفقة القرن»، حيث قام المستشار على رأس وفد بمحاولة تسويق الخطة، ولكن من دون أن يضع مسؤولي دول المنطقة في صورة هذه الخطة وفحواها، والتي مضى أكثر من عام على ترديد الأحاديث عنها في واشنطن. ولقائل أن يقول إنه ليس هناك أيضاً ما يدل على أن المستشار الشاب قد أخفق في تسويق خطة رئيسه. غير أن المرء يستدل على خيبة المسعى بما أحاط الزيارة من أجواء بروتوكولية معهودة، ولكن بغير حماسة أو تفاؤل، ومن دون إطلاق تصريحات أو عقد مؤتمرات صحفية، أو التبشير بنجاح لا وجود له.
كما يستدل المرء على ذلك بتقرير لوكالة رويترز، بثته يوم الخميس 28 فبراير وذكرت فيه أن كوشنر قد أخفق في ثاني جولة له في تسويق «مبادرات اقتصادية». والمقصود تمويل مشاريع اقتصادية لتحسين الأوضاع في الأراضي المحتلة، وذلك لقاء القفز عن المرتكزات الأساسية بإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي». وتعزو الوكالة فشل جولة كوشنر وهو في الأساس مطوّر عقاري، إلى قلة خبرته في الملفات السياسية الشائكة مثل الصراع العربي «الإسرائيلي» والعلاقات الخليجية - الأمريكية.
ويضع هذا التطور نهاية لتكهنات مغلوطة بأن دولاً في الخليج قد تتساوق مع مشروع إدارة ترامب لحل نهائي يقدّم ترضيات اقتصادية للرازحين تحت الاحتلال، مقابل تمكين الاحتلال من استيلاء دائم على القدس وعلى أجزاء مهمة من الأراضي، مع دفن حق تقرير المصير للفلسطينيين، بما في ذلك إقامة كيان وطني مستقل ذي سيادة، وطيّ ملف اللاجئين بعيداً عن القرارات الدولية التي تكفل حقوقهم الثابتة غير القابلة للسقوط، بالتقادم.
إن واشنطن سوف تجد نفسها مدعوة لإعادة قراءة ملف الشرق الأوسط، في ضوء مبادرة السلام العربية، وفي ضوء قرارات القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الظهران، وهذه القرارات كما المبادرة العربية تستند إلى قرارات الشرعية وكل المرجعيات والمواثيق الدولية، وقد حالت دولة الاحتلال دون تفعيل مقتضيات الشرعية الدولية، مُحتكمة إلى سطوة القوة الغاشمة، والنزعة التوسعية، وإنكار حقوق الآخرين، وفتح الأبواب أمام صراعات دينية مقيتة تجافي منطق العصر، وما الانتهاكات المتوالية: الفظة والمشينة بحق المسجد الأقصى في القدس، إلاّ دليل من بين ما لا يحصى من أدلة وشواهد، على هذه النزعة المريضة بالمساس بعقائد الآخرين، وتدنيس أماكن عبادتهم.
ويأمل المرء أن تكون الجولة الأخيرة لكوشنر في المنطقة (وهي ليست الأولى، فقد سبقتها جولة في يونيو/ حزيران الماضي) قد وضعت الإدارة الأمريكية في صورة الموقف العربي الثابت، الذي يرفض مكافأة المحتل على عدوانه، كما يرفض تلك المقاربة الخاطئة، التي تصور الأوضاع الصعبة في الأراضي المحتلة على أنها ناجمة عن انتشار الفقر والبطالة، وانسداد الآفاق الاقتصادية وندرة الفرص الاستثمارية. إذ إن ما سبق هو عرض من أعراض الاحتلال ومصادرة الأراضي والغزو الاستيطاني وسرقة مصادر المياه، والحصار وكبح عجلة الاقتصاد الوطني، بالسيطرة على مدخلات هذا الاقتصاد ومخرجاته. ومن مساخر الزمان أن يتم تسويق مزاعم من قبيل أنه يمكن لشعب أن يحقق درجة من الازدهار الاقتصادي فيما هو يخضع لاحتلال استيطاني وعسكري غاشم، وبرعاية الدولة العظمى التي يصفها مسؤولها كما فعل الوزير مايك بومبيو في خطاب أخير في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بأنها «قوة خير»..
علماً أن دول الخليج لطالما قدمت الدعم لصمود أبناء الأراضي المحتلة ولمؤسساتهم الشرعية، وبصورة طوعية، وليس استجابة لطلب طرف خارجي. وخاصة حين يرغب هذا الطرف في حرف الحلول السياسية عن وجهتها الصائبة، التي رسمها المجتمع الدولي منذ عقود. وللمرء ملء الثقة والقناعة التامة، أن خططاً جوفاء تقوم على وضع حلول اقتصادية مزعومة لمعضلة سياسية، لن تحظى بالتغطية أو التمويل، أو ما شابه ذلك من مظاهر الدعم، فالأساس هو شق الطريق نحو حلول سياسية جدّية بإعادة الحقوق لأصحابها، ورفع اليد عن الأرض المسلوبة، وسوى ذلك فإن مناخ التطرف والكراهية سوف يظل مُخيّماً على المنطقة، ومع الأخذ في الاعتبار أن استمرار الاحتلال ومواصلة التغول الاستيطاني، يمثل بحد ذاته مظهراً صارخاً للتطرف ودليلاً على أن هناك أعداءً للسلام يرغبون في البقاء أسرى الكراهية والعنصرية، ويرفضون شق الطريق نحو المستقبل، وإرساء مبادئ الكرامة للجميع.

mdrimawi@yahoo.com