قمة عربية - أوروبية!

04-03-2019
عبدالله السويجي

في مدينة شرم الشيخ المصرية، وفي صالة كبيرة جداً وواسعة كاتساع الفروق بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي التي لا نجدها إلا في عواصمنا العربية، عُقدت قمة عربية - أوروبية هي الأولى من نوعها لتعزيز الشراكة بين العرب والأوروبيين!
وقد مارست الجامعة والاتحاد، هيمنة واضحة على البيان الختامي، حين رفضت المؤسستان تعديلات مقدمة من البحرين والإمارات والسعودية ولبنان، والسبب كما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أن (الجامعة والاتحاد الأوروبي رأوا أن يظل البيان على حالته باعتبارها الحد الأدنى من الاتفاقيات بين الطرفين من دون الخوض في التفاصيل التي يمكن أن تؤدي إلى خلافات). من دون أن نعلم ما هي تلك التفاصيل التي قد تؤدي إلى خلافات. ومن جهة أخرى، فإن هذا التبرير يعني أن الجهتين المنظمتين المهيمنتين ناقشتا قضايا جديرة بالحوار والاهتمام طالما أن تفاصيلها قد تؤدي إلى خلافات.
القمة كانت مفاجئة؛ إذ لم يَعرها الإعلام الكثير من الأهمية قبل انعقادها، بالرغم من حضور رؤساء وملوك ورؤساء حكومات خمسين دولة، ولم تتسرب معلومات جديرة بالاهتمام عن طموحها وأهدافها.
والقمة هذه التي تهدف إلى الشراكة جاءت مدهشة في بنيتها ونسيجها وشكلها؛ إذ إن الطرفين يسبحان في عالمين مختلفين في أنظمة الحكم وحرية الصحافة والتعبير والشفافية والديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الاجتماعية وحريات الأفراد في الزواج والمعتقد وأشياء تفصيلية كثيرة، بل إن الاتحاد الأوروبي وما حققه من إنجازات على صعيد التواصل بين الأعضاء وحرية الحركة والتنسيق التجاري والعملة الموحدة، يفوق بملايين المرات ما حققته جامعة الدول العربية لأعضائها وشعوبها. فما الذي يجمع بين الطرفين، وأي شراكة ستقام بين الجامعة والاتحاد.
لقد خرجت القمة ببيان إنشائي، تكررت فيه مفردة تعزيز التعاون في كل بند من بنوده، وشملت القضايا التي تتكرر عادة في قمم الجامعة العربية، لاسيما العمل المشترك في إطار النظام الدولي لمناقشته والتعامل مع التحديات الراهنة والمشتركة في المنطقتين، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي الذي من شأنه تعزيز الاستقرار والرفاه في المنطقتين وفي العالم بأسره، والعمل المشترك في إطار النظام الدولي متعدد الأطراف القائم على الشرعية وتعزيز التنمية المستدامة والاستثمارات، وتأكيد الموقف من عملية السلام في الشرق الأوسط بما في ذلك وضع القدس وعدم شرعية المستوطنات «الإسرائيلية» في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقاً للقانون الدولي، وتأكيد الطرفين على الالتزام بالتوصل إلى حل الدولتين.
وأكد الطرفان، الدور الذي لا يمكن الاستغناء عنه لوكالة «الأونروا» وضرورة دعمها سياسياً ومالياً لتمكينها من الوفاء بولايتها الأممية. وكالعادة تم التطرق لسوريا وليبيا واليمن، والحرص على حل سلمي في الدول الثلاث بين الجهات المتصارعة، ومحاربة لإرهاب. أما البند الأخير من البيان الختامي، فقد تم الاتفاق على عقد مؤتمرات قمة منتظمة بالتناوب بين الدول العربية والأوروبية، وعلى أن تعقد القمة المقبلة في بروكسل عام 2022، أي بعد عامين. وسيمر العامان والعالم العربي كما هو والقضايا العالمية المستعصية كما هي.
ما نعلمه أن الشراكة تكون بين طرفين متشابهين في الأنظمة والإنجاز والقيم والقوانين والمستوى الاقتصادي والمستوى المعيشي، كالشراكة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي على سبيل المثال، ولهذا فإن الشراكة الأوروبية الخليجية تكون أقرب للمنطق وتحقيق النجاحات منها إلى جامعة الدول العربية؛ حيث يتفاوت الأعضاء في الاقتصاد والرفاهية والأمن والاستقرار وحرية الرأي والحكومات الإلكترونية وقوانين العمل وغيرها، فأي شراكة ستقوم بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين أزالوا الحدود فيما بينهم وبين جامعة الدول العربية التي يزيد أعضاؤها كل يوم العراقيل أمام التواصل والتنسيق والتبادل، وأي شراكة ستكون بين دول مستقرة سياسياً ودول تعاني الحروب الأهلية التي لم تضع أوزارها مثل سوريا وليبيا واليمن والصومال؟!
أعتقد أنه كان على جامعة الدول العربية، أن تعقد قمة عربية تطلق عليها (قمة حسن النوايا)، وتؤكد حرص أعضائها على التعاون والتسامح والتواصل والتنسيق وتصدر بياناً ختامياً (ولو تلفيقياً)، تعد فيه الشعوب بمحو أميتها الأبجدية وتحسين حياتها المعيشية والقضاء على الفساد والمحسوبية، وغيرها، ثم تعقد قمة مع الأوروبيين، هكذا حتى لا يتم وضع العربة أمام الحصان.

suwaiji@emirates.net.ae