شغفنا الذي مضى

19-02-2019

في التسعينات الميلادية.. كنت قادماً من بيروت الباردة إلى مطار الملك خالد الدولي ارتدي "جاكيت" من الجلد المبطن بالفرو.. لم يك موظف الجمارك بحاجة لينهض من كرسيه أو حتى ليعدل جلسته.. إذ اكتفى بتلك النظرة فاعترفت فوراً بأني أحمل أربعة دواوين قطع صغير لنزار قباني؛ خبأتها في جيوب الجاكيت السرية بين الجلد والفرو وفضحها "حر الرياض" الذي لم أحسب حسابه!

هددني الموظف بتصعيد القضية وكتابة تقرير وتعهد؛ فآثرت السلامة وسلمته الدواوين دون أي نقاش.. وفيما كان يظن أنه انتصر كنت أحتفل بنجاة ديوان خامس طويته تحت الشراب وسترته بالجنز.. وكان هذا الانتصار البسيط الآن، يستحق التباهي ونسج الحكايات في تلك الأيام!

غازي القصيبي -رحمه الله- من أكثر المؤلفين الذين استفادوا من "دعاية المنع".. إذ كان يردد دائماً أنه رغم صفته كوزير إلا أن كتبه ممنوعة.. وجميعنا نعلم أنها كانت الأكثر تداولاً ووفرة في كل مكان، ولم يحدث أن اختفت من السوق.. وعندما أقول السوق فالتعبير لا يتجاوز بضع منافذ على مستوى المملكة، حيث وعلى سبيل المثال يقوم بعض أصحاب المكتبات بدور موظف الجمارك وهو يتعرف على ما يحتاجه القادمون إلى مكتبته بمجرد النظر إليهم.

اليوم يقترب معرض الرياض الدولي للكتاب، بهدوء ودون أي ضجيج، عشرة أيام ستمر دونما أي جلبة، وكأنها لم تك يوماً أجمل عشرة أيام في مدينة الرياض، وقد انتشرت المعارض في كل المدن تقريباً، وكم كانت الحال بهية وأنا ألتقي أصدقاء قادمين من القصيم والطائف وهم محملون بعشرات الغنائم/ الكتب بينما يندبون حظهم الذي رماهم في مدن ليس لها حظ من "معرض كتاب"!

هذا جيلي، أما الأجيال التي سبقتنا فحدث ولا حرج، وصدق أو لا تصدق، قصص ولا في الخيال البوليسي مع الكتاب وعن الكتاب وللكتاب، لا يمكن أن نقارن جيلهم بجيلنا.. ومن البدهي أن الجيل الحالي هو الجيل المدلل مقارنة بالجميع!

لكن العزاء ونحن نقف مشدوهين أمام خيارات الجيل الحالي هو إدراكنا أن هذا الجيل ومهما تنعم وتقلب بتعدد الخيارات والوسائل فإنه لا يمكن له أن يعيش "شغف الندرة" عندما كان لكل شيء معنى ولون ورائحة.