التستر النظامي

19-02-2019

عاش زميل من زملاء العمل حوالي أربع سنوات لم ينجز أي شيء، يستلم رواتبه وهو شبه نائم، كان بارعاً في استخدام غير السعوديين في إنجاز ما يجب أن ينجزه بنفسه، خريج جامعة أميركية وذكي، استخدم شهادته للوصول إلى الوظيفة واستخدم ذكاءه في استخدام الآخرين، أشبهه بالطالب الذي يستخدم ذكاءه البارع في اختراع أساليب الغش بدلاً من أن يستخدم هذا الذكاء في قليل من المذاكرة، كان زميلنا فخوراً بطريقته في تفادي العمل بنفسه كما هي حال أي طالب ينجح بالغش.

لعل زميلي هذا أصبح مديراً عاماً والطالب الغشاش ربما أصبح مدير مدرسة ولعلنا اليوم نجل ونعظم رجال أعمال بنوا ثرواتهم وإمبراطورياتهم على الأتوات التي جنوها من التستر.

التستر على نوعين: قانوني وغير قانوني، غير القانوني تعرفونه، أما القانوني فكثير منا سعى إليه. بعضنا توفق وبعضنا لم يوفق، ثمة قانون يفرض على الشركات الأجنبية أن تتخذ وكيلاً محلياً يمثلها، لا أعرف بالضبط ما مهمة هذا الوكيل المحلي سوى أنه متستر بسلطة القانون ودعمه. لا يعرف المواطن السعودي أنه يدفع في كل ما يشتريه من بضاعة ضريبة لمواطن سعودي آخر يجلس في قصره في الرياض يرتشف قهوته الساخنة أو يجلس في شقته في لندن أو في بيته في كاليفورنيا يرتشف ما شاء له الارتشاف أن يرتشف.

تشاهد في كل مكان معارض سيارات ومعارض أثاث ومعارض ملابس وأصناف من البضائع لا حصر لها تحت أسماء سعودية، بعضها يملكها سعوديون بنظام تستر الخمسة بالمئة النظامي المزبوط وبعضها تستر غير شرعي.

ما الفرق بين التسترين النظام وغير النظامي؟ لا أعلم؛ ولكن المحصلة تكوين طبقة من المستفيدين الطفيليين لا يختلفون عن زميلي المذكور أعلاه والطالب الغشاش المذكور أعلاه أيضاً، تتضخم أسماء هؤلاء كرجال أعمال دون أن تكسب البلاد أي خبرة في الأعمال وإدارة المنشآت.

تلاحظ نتائج هذه المشكلة الكارثية في كل مكان ولعلك تلاحظ ذلك في مجال العقود مع شركات الاستشارة مثلاً، عندما نتعاقد مع شركة أجنبية لإعداد دراسة عن داء أصاب الإبل أو النخل ستلاحظ أن كل الذين تنتدبهم الشركة لإنجاز العمل مديرون عرب غير سعوديين، وباحثون عرب غير سعوديين. السعودي الوحيد بين كل هؤلاء هو الوكيل الذي سوف يتقاضى الخمسة بالمئة وهو جالس في قصره في الرياض يرتشف قهوته الساخنة أو في شقته في لندن أو بيته في كاليفورنيا يرتشف ما شاء له الارتشاف أن يرتشف.