ليالي المسرح الخليجي

20-02-2019
يوسف أبولوز

من أبرز، بل أهم، فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي التي انتهت أمس تلك الفعاليات المسائية أو الليلية وهي سهرات ثقافية متخصصة في قضايا وتاريخ وتحوّلات المسرح الخليجي. وتمتد هذه السهرات أحياناً، حتى الثانية عشرة ليلاً، ومن خلالها يمكن معاينة خريطة المسرح في الخليج العربي الذي يعود تأسيسه في بعض البلدان الخليجية إلى الستينات من القرن العشرين، بل إن بعض البدايات «الفطرية» المسرحية في الخليج تعود إلى الخمسينات إذا اعتبرنا أن فن الفرجة الجماعي آنذاك هو شكل من أشكال المسرح، وسوف يتطوّر هذا الفن، وبالتدريج، من مرحلة إلى مرحلة وصولاً إلى الاحتراف الذي يقوم، عادةً، على الدراسة المتخصصة والثقافة المتخصصة أيضاً.

سهرات المسرح الخليجي أو ليالي المسرح الخليجي في الشارقة هي «كشّاف» ميداني عملي على هذا الفن الذي ينطوي على خصوصية بالغة الأهمية، فاللهجات الخليجية المحلية متشابهة، والتاريخ الخليجي متشابه وينهض على الكثير من المشتركات الاجتماعية والثقافية. والتراث الشعبي والثقافة الشعبية متشابهان في دول الخليج العربي ويقومان على مشتركات قيمية ووجدانية ونفسية تجعل كلها من المسرح الخليجي مسرحاً ذا مرجعيات مشتركة ومتشابهة، الأمر الذي يميّز هذا المسرح عن باقي البنى المسرحية العربية من خلال شخصيته الثقافية والفنية والتراثية.

ليالي المسرح الخليجي في الشارقة كشفت عن قضايا حيوية ومعلومات قد يعرفها القارئ العزيز للمرة الأولى، فعلى سبيل المثال يوجد في سلطنة عمان أكثر من 40 فرقة مسرحية، كما كشفت مداولات الليالي المسرحية عن ظاهرة تراجع المسرح الكويتي العريق أمام الدراما التلفزيونية، أما المسرح السعودي، فقد شهد نقلة نوعية إيجابية في التسعينات وصنع له حضوراً لافتاً في السنوات العشر الأخيرة.

إن المداخلات والأفكار الحيّة التي شهدتها ليالي المسرح الخليجي في الشارقة هي توصيف ميداني لطبيعة وشخصية هذا المسرح من خلال رموزه وصنّاعه من مخرجين ومؤلفين وممثلين، ومن أجيال مسرحية مختلفة.

نشير أيضاً في ختام هذه الدورة إلى أهمية الملتقى الفكري الذي كان محوره الموروث الشعبي في المسرح الخليجي، وهو كما جاء في هذه المقالة موروث متشابه وقائم على مشتركات ومرجعيات مكانية وثقافية وتاريخية. ويمكن القول إن التراث الشعبي الخليجي هو جوهر خصوصية المسرح في دول الخليج العربي وروحه.. هذه الروح المحلية بامتياز لكنها غير منفصلة عن روحها العربية العامّة.

التراث الشعبي الخليجي أيضاً مكوّن ثقافي أصيل ليس في فن المسرح فقط، بل أيضاً يحضر هذا المكوّن في نسيج الشعر، والرواية، والقصة القصيرة، والفن التشكيلي، والموسيقى، والغناء والزّي والمعمار والطعام، وبذلك، فالتراث الشعبي الخليجي المحلي هو أيضاً عصب الثقافة الخليجية الأصيلة.

yabolouz@gmail.com