حين لا تغني المظاهر الخادعة

20-02-2019
عبدالله الهدية الشحي


توجد لدى الإنسان أربع مناطق للذات، من حيث معرفة مكنونه وقدراته، وهي المنطقة المكشوفة التي تعني أن الشخص يعرف عن نفسه أشياء يعرفها عنه الآخرون، ومنطقة القناع والمقصود بها: أنه يعرف عن نفسه أشياء لا يعرفها عنه الآخرون، والمنطقة العمياء التي تدل على أنه لا يعرف عن نفسه أشياء يعرفها عنه الآخرون، وأخيراً المنطقة المجهولة التي تثبت أن هناك أشياء لا يعرفها الإنسان عن ذاته ولا يعرفها الآخرون عنه أيضاً، لذا يجب عليه أن يدرك مكنونه، وأن يسعى جاهداً لتقدير ذاته، شرط ألاّ يكلّف واقعه ما لا يطيق، فيتعب نفسه ويتعب من معه، حين يتخذ من المظاهر الخادعة جلباباً، ومن التباهي أسلوباً معيشياً بكل تفاصيل حياته.

يوجد من الناس ثمة من لا يكاد راتبه الشهري، الوفاء بمستلزماته الأساسية، أو متطلبات أسرته الضرورية، ولكنه مع علمه المسبق بكل هذه التفاصيل المهمة والتي لا غنى عنها ولا بديل لها، تسكنه المظاهر الخادعة، فيتجّه من حيث يدري ولا يدري، إلى مضاهاة من باستطاعتهم شراء واقتناء أفخم وأغلى ما أنتجته كبريات الشركات، وإلى مساواة مستواه المادي، مع من أنعم الله عليهم، لهذا يحدث مراراً وتكراراً على سبيل المثال، قيامه بين الفينة والأخرى بشراء سيارة من نوع ما، بمبلغ لا يمكن تخيله إذا قيس بمجمل راتبه السنوي، ويحدث أيضاً ثمة من يحتاج إلى مسكن جديد يحتويه ويضم بين جدرانه أسرته قليلة العدد، فيقوم ببناء مسكن أشبه بالصرح من حيث الشكل والمساحة، لتأكل تكاليف بنائه وتأثيثه، كل ما ادّخر وما سيرزقه الله من مال، فيتحول هذا المنزل إلى هاجس داخلي يؤرقه، كلما اقتربت أو حانت مواعيد دفع أقساطه.

يوجد ثمة من يتلذذ بالمعاناة المعيشية والألم النفسي، جراء المظاهر الخادعة التي أساسها عدم الرضا بالمقسوم، فيلبس قناع التباهي ليُخفي عن الآخرين حقيقة واقعه، ومن أجل جذب انتباه الآخر أو «حتى يقال» والمقصود هنا حتى يقال عنه بأنه من ذوي الجاه، بينما الواقع النفسي والمستوى المعيشي لا يقرّان له بهذا القناع الذي يرتديه لهذا السبب أو ذاك، لكنه مع كل هذا، يصر على التلذذ بألمه الداخلي وبدوام خسارته، ويستمر أولاً في خداع نفسه التي تعيش الاضطراب وعدم السكينة والطمأنينة قبل خداع الآخرين.

ما أجمل أن يكون الإنسان صريحاً مع ذاته، فلا يكلفها ما لا طاقة لها به، وما أروعه حين يعمل على تطوير قدراته وتنمية مهاراته والسعي لتحسين وضعه المعيشي دون ضرر أو ضرار، وما أجدره بالاحترام حين يعرف إمكانياته ويكتشف قدراته ويقدر ذاته ويسوق لمهاراته وإبداعاته الحقيقية، فيقول كما قال نبي الله يوسف عليه السلام كما جاء في الذكر الحكيم: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم).

aaa_alhadiya@hotmail.com