بضاعتكم رُدّت إليكم

20-02-2019
نبيل سالم

ما كان خافياً على البعض بسبب سياسة التضليل الأمريكية، بشأن احتضان تنظيم «داعش» الإرهابي، واستخدامه ورقة ابتزاز لتمرير السياسات والأجندات، يبدو أن تطورات الأيام الأخيرة كشفته للعيان، حيث بدأت خلافات صانعي الإرهاب ومورديه إلى المنطقة العربية تطفو على السطح. وظهر جلياً أسلوب الابتزاز الأمريكي، من خلال الأزمة الناشبة بين واشنطن وبعض العواصم الغربية، التي تورط مواطنوها في الإرهاب في سوريا وغيرها.
فها هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمارس الضغوط على حلفائه الغربيين، عبر بوابة تنظيم «داعش»، الذي لا يختلف اثنان حول دور المخابرات المركزية الأمريكية، بصناعته لتفجير منطقتنا العربية.
ففي تصريحات له بهذا الشأن، قال الرئيس الأمريكي: «إن عدم السماح بعودة المئات من عناصر «داعش» الأوروبيين إلى بلادهم، له تبعات خطيرة قد تضطر واشنطن لإطلاق سراحهم».
وطالب ترامب عبر تغريدة نشرها في «تويتر»، بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودولاً أوروبية أخرى، بالسماح بعودة أكثر من 800 عنصر من «داعش» يحملون جنسيات أوروبية اعتقلوا في سوريا.
ومع أن مطالبة الدول الأوروبية باسترداد مجرميها الذين أوغلوا في الإرهاب في سوريا، أمر منطقي، إلا أن تهديد الرئيس الأمريكي، بإطلاق سراح هؤلاء إذا لم تقبل دولهم باستقبالهم، إنما يدل على سياسة الابتزاز التي تمارسها واشنطن، من خلال شماعة الإرهاب، التي استخدمتها للتدخل في شؤون الدول الأخرى، بل وتدمير بعضها. وتأتي هذه المطالبات الأمريكية، بعد الانهيار شبه التام لتنظيم «داعش» في آخر جيوبه في سوريا، حيث تشير إحصائيات عديدة إلى وجود المئات من عناصر التنظيم الإرهابي في قبضة القوات الأمريكية، أو قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، التي تدعمها واشنطن، إضافة إلى مئات العوائل «الداعشية» العربية والأوروبية، ولا سيما من الفرنسيين، بما تضم من أطفال ونساء أيضاً.
واللافت أن الولايات المتحدة توقفت عند مصير هؤلاء الدواعش الأوروبيين، معتبرة أنهم خطر مستقبلي، وعلى الدول التي يحملون جنسيتها، إعادتهم وفق التنسيق مع الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، بينما كانت جميع الدول على الإطلاق، ترفض استلام مقاتليها، بذريعة أنهم يشكلون خطراً على أمنها، وتصفهم ب«الذئاب المنفردة»، وأنها تتخوف من عودتهم إلى بلادهم، وممارسة نشر هذا الفكر أو على الأقل القيام بعمليات إرهابية مجدداً.
وفي هذا الإطار عبّرت كل من ألمانيا والدنمارك، عن رفضهما طلب ترامب استقبال رعاياهما من الدواعش، فيما اتخذت الدول الأخرى مواقف مترددة بهذا الشأن!.
وقالت وزارة الداخلية الألمانية، إنه لا يمكن لألمانيا استعادة الدواعش المعتقلين في سوريا؛ إلاّ إذا سُمح لهم بزيارات قنصلية، لتقلل بذلك من احتمال تلبية برلين طلب الرئيس الأمريكي من حلفائه الأوروبيين استقبالهم.
فيما أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الدنماركي، مايكل ينسن، رفض بلاده استقبال الدواعش، قائلاً: إن «الحديث يدور عن أخطر أشخاص في العالم، ولذا لا ينبغي لنا أن نستقبلهم».
كما رددت عواصم غربية أخرى، النغمة ذاتها في رفض استعادة مجرميها الذين أمعنوا في القتل والإجرام في سوريا.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين كان حذر هذه الدول وخشيتها من دور الإرهاب، عندما كانت تصنعه في أقبية أجهزتها الاستخباراتية، وتصدّره إلى سوريا والعراق، أم أن الإرهاب الموجّه إلى صدور العرب، هو غير الإرهاب الذي قد يطال الدول الاستعمارية الغربية.
في الحقيقة إن الجدل المثار حالياً بين واشنطن وحلفائها الغربيين، يثبت أن شعار محاربة الإرهاب الذي ترفعه الولايات المتحدة، والقوى الغربية التابعة لها، يقاس بمكيالين، فهو أمر مقبول بل يمكن إلباسه ألبسة المعارضة المشروعة، عندما يستهدف العرب، لكنه إجرامي يجب التخلص منه، فقط عندما يمس بمصالح الدول التي صنعته ورعته، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
وأخيراً، وبعد التأكيد على أن أزمة عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، كشفت المواقف الاستعمارية الغربية على حقيقتها، لابد من القول، إن ما يجري من جدل حول كيفية التخلص من بقايا مجرمي «داعش»، يقود إلى المثل القائل: بضاعتكم رُدّت إليكم.

nabil_salem.1954@yahoo.com