تحرك في الكونجرس لنزع حق الفلسطينيين !

20-02-2019
عاطف الغمري

هذا التحيز في الكونجرس، الموغل في إهدار الحق الفلسطيني، وفي خروج على المبادئ السياسية والأدبية، التي سبق أن التزمت بها الإدارات الأمريكية تجاه هذه القضية، ألا يعد حافزاً لصحوة عربية مستنفرة، تطلق تحركاً منظماً، وليس البقاء في صفوف المنتظرين للنتيجة النهائية؟.. أو على الأقل القيام بالتواصل مع منظمات أمريكية ومنها قوى يهودية، أعلنت معارضتها لمسلك الكونجرس؟.
الآن، قد طُرح أمام الكونجرس مشروع قانون مقدم من 45 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ، ينص على معاقبة أي أفراد أو شركات تفرض مقاطعة على «إسرائيل»، بسبب استيرادها منتجات المستوطنات المقامة على أرض محتلة، وهو ما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي. ولا يكتفي مشروع القانون بذلك بل إنه يجرم مقاطعة «إسرائيل» لهذا السبب. وتنطبق المقاطعة على أي شركات أمريكية، بما فيها الشركات المدعومة من منظمات دولية كالأمم المتحدة، وكذلك الأوروبية.
وعلى الرغم من التأييد القوي لهذا الاتجاه، من منظمات يهودية أمريكية، خاصة منظمة «إيباك» أبرز قوى الضغوط الأمريكية، وكذلك منظمة مناهضة التشهير، التي تعد إحدى أقوى أذرع الضغط في الكونجرس، وما يسمى بالمجلس اليهودي الديموقراطي الأمريكي، إلا أن هناك منظمات يهودية أخرى ولها صوت مسموع، مثل «جي ستريت»، التي أعلنت معارضتها الشديدة للمشروع، والتي أعربت عن خشيتها من إمكان أن يؤدي هذا التشريع حال إقراره إلى نتائج ضارة، لأنه يساوي بين «إسرائيل» والمستوطنات، وكأنهما شيئاً واحداً.
والمعروف أن «جي ستريت»، تضم شخصيات يهودية بارزة، اتخذت موقف التأييد لحل الدولتين، وقيام دولة فلسطين مستقلة، وهؤلاء أوضحوا أن هذا الموقف من جانبهم، هو لصالح شعب «إسرائيل» ذاته، لإيمانهم بأن سياسات نتنياهو سوف تجلب كوارث على يهود «إسرائيل» في النهاية، ثم إن تصرف الكونجرس ليس في صالح «إسرائيل»، أو الولايات المتحدة.
وقد أظهر موقف «جي ستريت»، حالة الانقسام في صفوف يهود أمريكا، خاصة وأن من بينهم من يعارضون احتلال الضفة الغربية، وشراء منتجات المستوطنات.
بخلاف التجمعات اليهودية المعارضة للمشروع، فقد علت أصوات أمريكية أخرى، منها كنائس أمريكية تعارض المشروع، وكذلك منظمات مثل «اتحاد الحريات المدنية الأمريكية»، و«منظمة أمريكيون من أجل السلام الآن»، فضلاً عن أصوات معارضة للمشروع من ديمقراطيين أعضاء بالكونجرس منهم السيناتور بيرني ساندرز، وديان فينشتين.
كانت التحركات لدفع الكونجرس لإقرار هذا القانون، قد بدأت عام 2014، في صورة حملات في ولايات متعددة، حتى يتم خلق رأي عام مساند لها، ويكون بمثابة قوة دفع داخل الكونجرس نفسه. الغريب أن رد الفعل «الإسرائيلي» الرسمي على المواقف المعارضة لمشروع القانون، وصل إلى حد وصف من يقفون وراءه، بأنهم معادون للسامية، على الرغم من أن بينهم يهوداً مؤيدين ل«إسرائيل» كدولة، لكنهم لا يتجاهلون حق الشعب الفلسطيني في وطنه.
كما هو واضح، فإن المسار الذي وصل إليه الكونجرس، قد سبقته تحركات على مستوى الولايات، وبين المواطنين الأمريكيين، في حملة علاقات عامة، هدفها إقناعهم بجدوى هذا القانون، وإغفال ما يمثله من إهدار للقانون الدولي، وحقوق الإنسان الفلسطيني، والتي كانت أمريكا كدولة ونظام سياسي، قد ألزمت نفسها باحترامها، حين ألقت على نفسها صفة الوسيط النزيه بين «إسرائيل» والفلسطينيين، وبأن وضع القدس، فضلاً عن مستقبل الأراضي المحتلة، لن يتقرر بتصرف منفرد، وإنما في مفاوضات الوضع النهائي وبمشاركة الفلسطينيين.
وفي مواجهة هذا الذي يحدث الآن في الكونجرس، يفترض أن يستفيد العرب من مواقف الجهات الأمريكية المناهضة لمشروع القانون، ومن بينها أطراف يهودية أمريكية، ويقيم مع كل هؤلاء تواصلاً عربياً جماعياً ومنظماً، بناء على خطط مدروسة، للتنسيق وخلق رأي عام مساند لها في أمريكا، يفضح هذا التحيز المغالى فيه تجاه الحقوق العربية.