من تجارب الكاتب

18-02-2019

أقدم اعتذاري للقارئ عن غياب الأيام الثلاثة الماضية، الانتقال من قارة إلى أخرى أمر صعب، أن تبقى في الجو أكثر من ست عشرة ساعة وأن تتلكأ في المطار عشر ساعات مع تغير مفاجئ لدرجة الحرارة من عشرين تحت الصفر إلى عشر فوق الصفر حتماً سيختل موعد نومك وبرنامج عملك وانتظام طعامك وحركة الأيض في جسمك أيضاً.

ضرر التوقف عن العمل على الكاتب يشبه ضرر توقف اللاعب عن اللعب، ثمة عضلات ذهنية تضمر قليلاً تؤدي إلى صعوبة في التدفق.

أتذكر أن قرأت للكاتب الأميركي الراحل أرنست همنجواي يقول (في كل مرة ينتهي الكاتب من عمله اليومي عليه أن يترك شيئاً قليلاً يكمله يوم غد). يقصد الكاتب الأميركي أن يتوقف الكاتب عند نقطة ما زالت حية وتحتاج إلى المزيد من العمل. عندما يعود يوم غد إلى طاولة الكتابة يبدأ منها عندئذ سوف تعمل آلة الإبداع بشكل تلقائي، كان يتكلم عن كتابة الرواية. في ظني الأمر لا يختلف عنه عند كاتب الزاوية اليومية، عندما ينتهي كاتب الزاوية من كتابة نص ذلك اليوم سيترك هذا النص عدة أسئلة تحتاج إلى إجابة، ستتشكل نقاط يفكر في معالجتها يوم غد، الانقطاع عن الكتابة فترة معتبرة سوف يشتت هذه الموضوعات.

توصلت بالخبرة الطويلة مع الكتابة أن أي موضوع تبدأ الكتابة عنه سيأخذك إذا أردت إلى كل الموضوعات في الدنيا، عندما تبدأ الكتابة عن تعب السفر سيأخذك هذا الموضوع على سبيل المثال إلى الصحة أو إلى الاقتصاد أو الجغرافيا أو السياسة أو حتى إلى الحب والعلاقات الإنسانية. موضوع زاوية اليوم سوف يأخذك غداً إلى قضية أخرى ثم قضية أخرى إلى ما لا نهاية، هذا ما يجعل الكاتب الجاد أو المحترف لا يتوقف عن العمل والإبداع، لا أتذكر أن وجدت نفسي في حال شلل عن اجتراح موضوعات أكتب عنها، أحياناً تتصادم الموضوعات وأحياناً تتحول المقدمة التي أبدأ بها النص إلى موضوع مستقل أهم وأخطر من الفكرة الأساسية التي جلست في بادئ الأمر أعالجها.

الكتابة عمل يحتاج إلى عادة متكررة، إلى مكان ووقت وأجواء شبه ثابتة، مثلما يقال إن هناك ساعة بيولوجية للنوم ثمة ساعات بيولوجية للإبداع والعمل، لا يصح أن تكتب مرة في الصباح ومرة في المساء، مرة في البيت ومرة في المكتبة أو في فندق هكذا علمتني التجربة، في كل مرة تضطر أن تغير المكان ستجد صعوبة في التكيف فتستهلك وقتاً أطول للتحضير، هذا ما جعلني أتأخر عن النشر هذه الأيام، سأشعر بالامتنان لكل من أحس بغيابي وأتمنى أن أواصل معكم رحلة طويلة بدأتها منذ سنوات.