«سايكس - بيكو».. الجديدة!

18-02-2019

المفترض ألاّ تتأخر «أنقرة» في اكتشاف أن الأمور ذاهبة، بعدما أصبحت هناك كل هذه «التدخلات» الإقليمية والدولية في الأزمة السورية التي دخلت عامها الثامن قبل أيام قليلة، في اتجاه «سايكس- بيكو» جديدة ليس في شرقيّ هذا البلد العربي وفقط، بل في هذه المنطقة كلها التي تتداخل فيها حدود ثلاث دول هي، بالإضافة إلى سورية، تركيا والعراق وإيران وذهاباً إلى القرم وأوكرانيا وبعض دول أوروبا الشرقية القريبة والمحاذية.

لقد كانت سايكس - بيكو الأولى كارثة بكل معنى الكلمة فقد جرى تقسيم هذه المنطقة التي معظمها كانت عربية عشوائياً بـ «مسطرة» وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا وكان المقصود هو عدم قيام دولة عربية واحدة ولو في المشرق العربي وحده بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية التي كان أُطلق عليها وصف: «الرجل المريض» وإنشاء هذه الدولة التركية التي أُلحق بها لواء الإسكندرون العربي في عام 1939 وضُمَّت إليها أجزاء واسعة وكبيرة كانت دائماً وأبداً عربية سابقاً ولاحقاً وحتى عندما كانت تحت الحكم العثماني الذي استطال لأكثر من أربعة قرون متلاحقة.

وهكذا وعندما أصبحت تركيا تعيش وبالفعل «هاجس» سايكس - بيكو جديدة ليس في شرقي سورية وفقط، وإنما في هذا المثلث المتفجر الآن كله وفي إطار قد يضم حتى بعض دول البحر الأسود وأوروبا الشرقية فإن معها الحق كله لأن الكرد يشكلون فيها الأكثرية الكردية مقارنة بما هو عليه الوضع في سورية وفي العراق وأيضاً في إيران والمعروف أن حزب العمال الكردستاني - التركي الـ «P.k.K» بقيادة عبدالله أوجلان قد جرى تشكيله وتكوينه من قبل المخابرات السورية والمخابرات السوفياتية في ذلك الوقت المبكر، في نهايات سبعينات القرن الماضي، للضغط على الأتراك لأن بلدهم كان ولا يزال عضواً رئيسياًّ ومؤسساً في حلف شمالي الأطلسي وعندما كان جيشهم ثاني أقوى وأكبر جيش في هذا الحلف بعد جيش الولايات المتحدة الأميركية.

وعليه فإنه يجب أن تخاف تركيا من سايكس - بيكو جديدة وأن يأخذ الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي وضع نفسه ووضع بلده في مركب سياسي إقليمي متأرجح وشديد الاهتزاز، في اعتباره أنَّ هناك من يعمل ويسعى لإقامة دولة لـ «علويي» منطقة اللاذقية وطرطوس وبانياس مع امتداد نحو الشرق حتى مشارف حمص وحماه مما يعني أنه إذا جرى تقسيم وتمزيق سورية وأقيمت بالفعل هذه الدولة المذهبية، التي يرفضها رفضاً قاطعاً بعض «العلويين»، فإنه سينضم إليها لواء الإسكندرون وأكبر مدنه مدينة «أنطاكيا» التاريخية المعروفة وأن العدوى الانفصالية ستنتقل إلى الكرد في المناطق الشرقية المتاخمة للحدود السورية والتي كانت جزءاً منها والمحاددة للعراق وكانت جزءاً منه.

إن هذه المسألة في غاية الخطورة وفي غاية الجدية وأنه إذا كانت المؤامرة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى، التي كان عنوانها اتفاقيات سايكس - بيكو المشؤومة، فإن هذه المؤامرة، التي غدت تهرس سورية والعراق ودولاً عربية أخرى هرساً، غير مستبعد أن يكون عنوانها سايكس - بيكو جديدة ويقيناً أنه إذا حصل هذا، ونسأل الله ألاّ يحصل، فإن تركيا ستكون على رأس القائمة وبخاصة أن بعض التقديرات تشير إلى أن عدد «أكرادها» يقترب من العشرين مليوناً وأن هناك احتضاناً لهؤلاء من قبل روسيا الاتحادية وكما كان عليه الوضع في زمن الاتحاد السوفياتي وأيضاً من قبل الدول الأوروبية الغربية كلها ومعها الولايات المتحدة الأميركية.