كتّاب خطابات الرؤساء

19-02-2019
يوسف أبو لوز


ما من صحفي لامع في مصر إلاّ ونُسِبَ إليه أنه كاتب خطابات أحد الرؤساء المصريين من عبد الناصر إلى حسني مبارك، لكن ما من رئيس أفصح عن اسم كاتب خطاباته وما من كاتب خطابات أفصح عن اسم رئيسه وإن كان أسلوب الخطاب يكشف ولو من بعيد عن أسلوب الكاتب، وفي الحالين يظل الأمر سرّياً، وإن كانت الصحافة حامت كثيراً حول هذه المواضيع، وجعلت منها قصصاً مقروءة تثير الفضول.

أكثر من كاتب صحفي أشار أن كاتب خطابات الرئيس جمال عبد الناصر هو محمد حسنين هيكل، وتحديداً الخطاب الشهير الذي أعلن فيه عبد الناصر تنحّيه عن الرئاسة بعد حرب 1967، أما الرئيس السادات فقد نُسبَ إليه أكثر من كاتب لخطاباته:- قيل أنيس منصور، وقيل موسى صبري، وقيل أحمد بهاء الدين، ولكل منهم أسلوبه، ولكل منهم قناعه إذا أراد ألا ينكشف وجه الأسلوب. أما الرئيس حسني مبارك فقد نُسِب إليه، أيضاً، أكثر من كاتب لخطاباته من مكرم محمد أحمد إلى سمير رجب، وهناك كتّاب خطابات في كل العهود، ولكل الرؤساء.

في الغرب أيضاً لكل رئيس كاتب خطابات، ولكن وراء هذا الكاتب لجنة متخصصة تدقق في كل كلمة وكل عبارة في الخطاب الذي يُرفع إلى مستشارين متخصصين، فضلاً عن أن أمر كاتب الخطاب ليس سرّياً: ديفيد فروم كاتب خطابات جورج بوش، وكريس ماتيوس كاتب خطابات كارتر، ووليام سافير كاتب خطابات ريتشارد نيكسون، أما الجنرال شارل ديغول فيقال إن كاتب خطاباته هو اندريه مالرو الذي لم يكن صحفياً، بل هو علامة من علامات الثقافة الفرنسية الرفيعة فهو مفكر وكاتب روائي وفيلسوف وتقول سيرته إنه «.. صاحب رؤية موسوعية ويمتلك معارف دقيقة في الآثار وتاريخ الفنون والانثروبولوجيا». أما محمود درويش فيقال إنه هو من كتب خطاب الرئيس ياسر عرفات الشهير الذي ألقاه في الأمم المتحدة في العام 1974، وفيه العبارة الشهيرة: «جئتكم أحمل غصن الزيتون الأخضر بيد، وأحمل البندقية بيد أخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي..».. وهي عبارة شعرية تحمل روح درويش.

كان الرئيس الكوبي فيدل كاسترو يجلد شعبه بخطب إيديولوجية حمراء تستغرق الخطبة الواحدة أحياناً حوالي ست ساعات، وكانت خطب معمر القذافي طاووسية فضفاضة ملوّنة مثل أرديته الإفريقية، وكان ارتجالياً مثل كاسترو.. ولذلك ما أكثر ما وقع الاثنان في زلّات اللسان التي تؤدي أحياناً إلى أزمات سياسية معقّدة.

خطب الرؤساء إن كتبها صحفيون أو شعراء أو مفكرون هي فن بالغ الحساسية والدقّة يتطلب أيضاً فطرة دبلوماسية كي لا يتحوّل الخطاب إلى مشكلة.

yabolouz@gmail.com