ميونيخ.. منصة التشاحنات

19-02-2019
فيصل عابدون

ما بدا واضحاً من مناقشات مؤتمر ميونيخ للأمن أن هذه المنصة التي أنشئت كنوع من العصف الذهني لصفوة صانعي القرار في الغرب من أجل ابتكار الحلول للأزمات والمشكلات السياسية والاقتصادية قد تحولت إلى حائط للمبكى وبث الشكاوى بين الشركاء المتحالفين.
وكشفت تصريحات أبرز المشاركين في الفعالية عن عمق الهوة التي تفصل بين ضفتي الأطلسي في مختلف القضايا الثنائية والدولية، كما أبرزت المخاوف إزاء التداعيات المحتملة لتباين وجهات النظر وزوايا الرؤية على مستقبل الاستقرار العالمي وتماسك الحلف الغربي في مواجهة التحديات التي يفرضها الواقع المتغير.
والفكرة الأساسية وراء المؤتمر الذي تأسس عام 1963، أن يكون منصة للقاءات سياسية ودبلوماسية بعضها علني وبعضها سري ثم يطرح إسهاماته لحل القضايا الشائكة. ويقول رعاته إنه نجح بشكل خاص في طرح فكرة اتفاق «ستارت 2» للحد من الأسلحة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا والتي توجت بالتوقيع المشترك عليها داخل أروقة المؤتمر في العام 2011.
ولكن ومنذ ذلك التاريخ، فإن هذه المنصة ظلت بعيدة عن تحقيق إنجازات مماثلة أو حتى ملامسة مبادئها الأساسية باعتبارها أرضية للتقارب وبناء التحالفات والمواقف الموحدة إزاء الأمن والسلام العالميين. وفي اجتماعات العام الحالي التي انطلقت الجمعة، كان بند الخلافات الأوروبية- الأمريكية، على صدارة الأجندة بالإضافة إلى تجدد التنافس التجاري بين القوى الكبرى، وقضية الانسحاب الأمريكي من سوريا وأفغانستان. وكانت نغمة الإحباط والاستياء وفقدان الثقة هي السائدة.
واستهلت الولايات المتحدة المناقشات بلهجة هجومية حول قضية الإنفاق العسكري الأوروبي والتزامات دول القارة بميزانية الحلف الأطلسي. وتعتبر واشنطن هذه القضية بالغة الأهمية ومثيرة للغضب، ففي الماضي أنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من 650 مليار دولار مقارنة بنحو 250 مليار دولار لجميع الدول الأوروبية في الناتو، وهذا القصور يجعل الأمريكيين يتهمون الأوروبيين بالإثراء على حسابهم، وما يزيد غضبهم أيضاً صفقات الأسلحة التي تعتزم بعض دول القارة إبرامها مع روسيا، وفي هذا الخصوص وجه نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس تهديدات صريحة إلى حلفائه الأوروبيين، «لا يمكننا ضمان الدفاع عن الغرب في حال ازداد اعتماد حلفائنا على الشرق».
وفي المقابل تولت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الهجوم المضاد وأبدت استغرابها من التصريحات الأمريكية التي اعتبرت استيراد السيارات الأوروبية بأنه تهديد للأمن القومي. وذكرت ميركل أن أكبر مصنع لسيارات «بي إم دبليو» الألمانية ليس في بافاريا بل في كارولاينا الجنوبية حيث يتم تصدير هذه السيارات إلى الصين.
كما هاجمت ميركل ومعها وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان قرار الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا. ودعت ميركل إلى مواصلة الحوار مع روسيا وليس مقاطعتها على خلفية النزاع الأوكراني أو الخلافات الأخرى. وحذرت من تراجع التعاون المتعدد الأطراف إزاء المشكلات الدولية.
إذن في الخلاصة، كان المؤتمر عبارة عن شكاوى وشكاوى مضادة ومشاكسات وبكائيات. وهي ذات النهاية التي اختتم بها المؤتمر أعماله في العام الماضي.

Shiraz982003@yahoo.com