أوروبا «الداعشية»

19-02-2019
صادق ناشر

الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لم يعد خافياً على أحد، فمن الواضح أن هناك فجوة عميقة بين الجانبين وتكبر مع مرور كل يوم، وقد اتسعت هذه الفجوة بشكل أكبر منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أواخر عام 2016، حيث بدت علاقته بالزعماء الأوروبيين ضبابية ويسودها التوتر وسوء الفهم، وفي غالب الأحيان سوء النية.
في آخر مواقف ترامب حيال أوروبا دعا عدداً من دولها إلى استرداد مواطنيها الذين قاتلوا مع تنظيم «داعش» في سوريا والعراق ومحاكمتهم، محذراً من أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاحتفاظ بهم وليس أمامها سوى خيار إطلاق سراحهم، ويعني ذلك إعادة القنابل الإرهابية البشرية إلى أوروبا لتكتوي بها، كما تكتوي بها بقية دول العالم، مع أن أوروبا لم تعد كما كانت، فعناصر الإرهاب والتطرف حاضرة أيضاً في العديد من دولها، بل نفذت العشرات من العمليات الإرهابية بداخلها.
يقول ترامب إن على فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وغيرها من الدول الأوروبية الحليفة استقبال أبنائها المنتمين إلى «داعش»، معتبراً أن «خلافة داعش على وشك السقوط، وأمريكا لا تملك بديلاً مناسباً ولا يمكنها الاحتفاظ بهؤلاء وليس أمامها سوى إطلاق سراحهم»، ويحذر من أن الولايات المتحدة لو اتبعت هذا الخيار، فإن «الدواعش» سوف يخترقون أوروبا، وهو تهديد واضح وصريح من أن عدم الاستجابة لمطلبه ستطرح خيارات أخرى من قبل إدارته، فهو يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية فعلت الكثير، وصرفت أموالاً لمحاربة «داعش»، وقد حان الوقت لأن يقوم الآخرون بدورهم.
يرغب ترامب في رؤية أوروبا شريكة فاعلة في الحرب ضد الإرهاب، لأنه لا يراها كذلك اليوم، فأوروبا لا تصدر فقط الأسلحة إلى الشرق الأوسط، بل وإلى الإرهابيين أيضاً، وهذا ما يريد ترامب أن يوصله إلى القادة الأوروبيين، الذين تراجع حماسهم في المعركة الدائرة ضد تنظيم «داعش» في منطقة الشرق الأوسط، ولا يرغب ترامب في خوض الحرب وحيداً، أو هكذا يعتقد، خاصة أنه يرى في أوروبا جهة تضخ عناصر التطرف من مواطنيها للقتال في صفوف «داعش»، إذ إن المئات من «الدواعش» المنتمين إلى أوروبا، تم أسرهم في مناطق الصراع خلال السنوات القليلة الماضية.
يرى ترامب أن أوروبا صارت «داعشية»، باعتبار أنها متراجعة خطوات إلى الخلف في قضية الحرب على التنظيم المتطرف، إذ لا تكتفي بذلك، بل إن المئات ممن يحملون جنسيات دولها يخوضون المعارك تحت رايته، وقد ألقت قوات التحالف الدولي على العديد منهم القبض بعد تعرض التنظيم لخسائر كبيرة في معاركه خلال الأعوام القليلة الماضية.
من الصعب معرفة كيف يفكر الأمريكيون في التعاطي مع أوروبا، لكن تصريحات ومواقف ترامب خلال الفترة الماضية تشير إلى أن طريقته في إدارة الأزمات لا تؤدي إلى تقارب، وهو ما يباعد المواقف بين الطرفين شيئاً فشيئاً حيال أزمات العالم المختلفة.

Sadeqnasher8@gmail.com