الانقسام الفلسطيني يشارك في تمرير «الصفقة»

19-02-2019
حافظ البرغوثي

أخفقت جولتا لقاءات في القاهرة وموسكو في التوفيق بين الفصائل الفلسطينية، وكان الجميع متفائلين قبل خلوة موسكو بالخروج بدفعة جديدة تعيد قطار المصالحة إلى سكته بعد حوارات الفصائل في القاهرة، والتي كانت متوترة، لكن ظهر موقف جديد هذه المرة، حيث تبنت حركة الجهاد موقفاً سياسياً رفضت فيه أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ورفضت تأييد إقامة دولة فلسطينية على حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بل ورفضت القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين في موقف جذري جديد أعادها إلى موقعها القديم الذي يؤمن بالعمل العسكري فقط. وهو موقف سبق لحركة حماس وحركة الجهاد الموافقة عليه في بيانات سابقة. لكن الجديد في الأمر هو دخول حماس والجهاد في منافسة سياسية وعسكرية في غزة بعد تولي زياد نخالة قيادة الجهاد.
طهران أولت نخالة رعايتها الكاملة، لأنها تريد ورقة غزة في إطار صراعها مع «إسرائيل» على مناطق النفوذ في سوريا ولبنان وفلسطين والمنطقة ككل، وخففت من علاقاتها مع حماس، لأن الأخيرة مرتبطة بقطر والتنظيم الدولي للإخوان، حتى أن نخالة انتقد في حوار القاهرة الدور القطري في غزة وطالب بطرد مندوب الدوحة محمد العمادي، واتهمه بأنه يقوم بدور لمصلحة «إسرائيل» وأمريكا. بل ذهب نخالة بعيداً وتساءل أمام حماس في القاهرة ما الفرق بين التنسيق الذي تقوم به حماس مع الاحتلال حول غزة، وتنسيق السلطة في الضفة مع الاحتلال!
من هنا جاء موقف حماس القريب من الجهاد في موسكو والقاهرة في إطار التنافس بينهما، حيث إن الجهاد تهدد بالرد على أي خرق «إسرائيلي» لاتفاق التهدئة لسنة 2014 وهو ما لا تحبذه حركة حماس التي تصعد ضمن سقف معين مقبول «إسرائيلياً» ولا يعرض تفاهماتها بواسطة قطر والمبعوث الدولي ميلادينوف للخطر.
بالطبع امتص المصريون الصدمة من موقف نخالة عندما انتقد الدور المصري، وطالب مصر بتحديد الجهة المعرقلة للمصالحة. وكان المصريون سمعوا موقفاً ناقداً للدور القطري من صالح العاروري نائب رئيس حماس المقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت. وفي مثل هذا الجو انعقدت خلوة موسكو التي أرادها الروس أن تمهد لاستئناف جهود المصالحة المصرية، لكن الوضع انقلب بسبب موقف الجهاد وحماس، وخرج مندوب فتح عزام الأحمد، ليقول إن فتح لن تجلس مع من لا يعترف بمنظمة التحرير.
ورغم أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حذر الفصائل الفلسطينية من أن مخرجات «صفقة القرن» التي يروج لها الأمريكيون ستنسف كل القرارات الدولية بشأن الحقوق الفلسطينية لحث الفلسطينيين على التوحد والمصالحة في مواجهة تصفية قضيتهم، إلا أن كلامه ذهب أدراج الرياح.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن الأحزاب «الإسرائيلية» تتوحد على يمين حزب الليكود، فالانقسام في حزب «البيت اليهودي» جاء لخدمة اليمين من وجهة نظر يمينية أمريكية يمثلها الملياردير شيلدون إدلسون الذي تخاصم مع نتنياهو مؤخراً، وأمر رئيس حزب «البيت اليهودي» بينيت وحليفته المتطرفة شاكيد بتشكيل حزب يميني جديد للإعداد لخلافة نتنياهو، حيث إن الأخير مهدد في قضايا الفساد، وقد يدان ويغيب عن الساحة السياسية. كما أن الليكود في نظره يستند إلى القاعدة الاستيطانية المتدينة، ما يثير قلق اليمين اليهودي العلماني في أمريكا، وهو بالتالي جعل بينيت ينفصل عن القاعدة الاستيطانية التي تؤمن بقدوم المشياح «المسيح» اليهودي.
وفي المقابل، نجد القائمة العربية المشتركة التي حصدت 12 مقعداً مهددة بالتفكك بعد إعلان الدكتور أحمد الطيبي انفصاله عنها، ما يشير إلى احتمال انشقاقها وحصول الناخبين العرب على 8 مقاعد فقط بينما في حالة استمرار القائمة يمكن أن يشكلوا القوة الثالثة في الكنيست بعد حزبي الليكود و«مناعة إسرائيل». لكن كما هي الحال في الضفة الغربية وغزة، فإن حال عرب الداخل الانقسامي لا يختلف، فالصراع بين الأحزاب الدينية واليمينية اليهودية لا يؤثر في حجم تمثيل اليمين، لأنه صراع على نسبة محددة بحوالي 65 مقعداً هي النسبة المتوقعة لهم في الكنيست من بين 120 مقعداً، أما تشتت المعسكر العربي فسيمنح أصواتاً لأحزاب صهيونية مختلفة، لأنها ستسارع إلى ضم بعض العرب في قوائمها. وهذا كله يثير التشاؤم من المشهد الفلسطيني ككل ويعطي صفقة القرن آملاً في تصفية القضية الفلسطينية بمساعدة من الأحزاب والفصائل الفلسطينية مع الأسف.

hafezbargo@hotmail.com