الشرق الأوسط بين وارسو وسوتشي

16-02-2019

الخميس الماضي اختتمت أعمال مؤتمر وارسو الذي عقد على مدار يومين في العاصمة البولندية حول مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط، وهو المؤتمر الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية وضم 79 دولة، وتزامن مع بدايته مؤتمر ثلاثي في سوتشي الروسية، ضم روسيا وتركيا وإيران، بدأ وانتهى في اليوم نفسه.

بين هذا وذاك ما يدعوني للكتابة هنا، فنتائج وارسو مهمة لنا، ولعل أهم ثلاث نتائج هي إجماع المشاركين على أن التحديات التي تسبب زعزعة أمن واستقرار منطقتنا يتصدرها دور إيران ووكلائها في المنطقة، وحرسها الثوري وجواسيسها، وضرورة وضعها في حجمها الطبيعي بشكل حاسم وحازم، كما ينادي وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، وتأكيد موقف المملكة العربية السعودية الثابت تجاه القضية الفلسطينية المبني على مبادرة السلام العربية، ونجاحنا وبمشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة في عقد اجتماع الرباعية مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بشأن اليمن، وصدور بيان أكد المجتمعون فيه ضرورة تنفيذ اتفاقيات ستوكهولم، وعدم القبول بأي تأخير لتنفيذ اتفاق تحرير الحديدة من ميليشيات الحوثي المدعومة من ملالي طهران.

في وارسو أيضا برز الانقسام الواضح في الاتحاد الأوروبي، فالغياب غير المؤثر لألمانيا وفرنسا لم يحل دون منع حلفاء أمريكا الأوروبيين من المشاركة، وأعطى مؤشرات على مرحلة خطيرة من الجيوبوليتيك التي وصل لها هذا الاتحاد.

على الصعيد العربي، كنت أتمنى تمثيلا للأشقاء الفلسطينيين في وارسو، وإن كان غيابهم له أسبابه، فحضورهم كان سيشكل دعما قويا لقضية فلسطين، وبدلا من الصراخ عن بعد كان بإمكانهم التعبير عن رفضهم إن وجدوا ما لا يناسبهم بشكل دبلوماسي وأمام الجميع. هذا الصراخ شاركتهم فيه وسائل الإعلام القطرية وتوابعها، فهاجموا وارسو والمشاركين فيه، وانشغلوا بتحركات وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، وتجاهلوا مشاركة وزير خارجية قطر محمد عبدالرحمن آل ثاني، ووصف (حرامي الدوحة) ووزير خارجيتها السابق حمد بن جبر مؤتمر وارسو بالعرس، وكأنه يشير إلى أن حضور وفد قطر الدبلوماسي إما للرقص فيه أو ربما لتمثيل دولة ليست قطر، أما في عمان فلم تشر الصحف الصادرة الخميس إلى اللقاء الذي جمع وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي والإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا أعلم إلى أين تمضي عمان؟! فهذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، ومن الطريف في هذا الموضوع تصريح وزير خارجية لبنان جبران باسيل حول رفضه المشاركة في وارسو، بينما باسيل ليس مدعوا أصلا إلى وارسو ولم توجه له دعوة للحضور.

على الجانب الآخر، وفي سوتشي لم يصدر أي قرارات سارة للسوريين، فالدول الثلاث تتمسك بمصالحها، وتصر روسيا وإيران الغاضبتان من وارسو على تقديم نفسيهما كحليفين شرعيين لنظام الأسد، لا كقوة احتلال للأرض السورية، وتنفيان حقيقة كونهما مصدرا من مصادر زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، بينما تركيا (الحاضن للحركة الإخوانية الإرهابية) تسعى للحصول على منطقة آمنة شرق الفرات، تضمن من خلالها السيطرة على الإقليم الكردي، وتكرار المجازر التي قامت بها في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، ورغم فشلها في ذلك توسل إردوغان إلى بوتين للسماح له باستخدام المجال الجوي لضرب الشمال السوري والسيطرة على الإقليم الكردي المسلم، لأنه يدرك عجز جيشه عن السيطرة الميدانية على الأرض السورية، وقدم الوعود والعهود لإيران بمساعدتها للالتفاف على العقوبات الاقتصادية، وإن كنت أشك في قدرته على ذلك، وهو من نعرف عنه عدم وفائه بوعد ولا التزامه بعهد.

أخيرا، معسكر وارسو قوي جدا ومصيري تقوده أمريكا بسند عربي، بينما معسكر سوتشي هش وموقت تقوده المصالح الروسية والتركية، فلم يجتمع السياسيون من قبل بهذه الكثافة وهذا الإصرار إلا لتدمير هتلر ألمانيا أو صدام العراق، والآن يجتمعون من أجل تأديب نظام طهران الخمينية التي يبدو أن نهاية نظامها تلوح في الأفق، وسيكون أكبر الخاسرين حلفاؤها في تركيا وقطر.