ليست نهاية العالم

16-02-2019

ابن الديرة


لا ينفصل هاجس التوطين وهو عنوان أول رسمياً وشعبياً عن النظرة إلى إمكانات وطاقات واحتمالات سوق العمل بشكل متكامل، وهو على ما يبدو لا يحدث الآن، فما زال يُنظر إلى الوظيفة الحكومية باعتبارها الملاذ الوحيد والضمان الوحيد، وكل ما عداها مغامرة بالمستقبل. هذه النظرة بطبيعة الحال خاطئة، لكنها موجودة وحاضرة بإلحاح. أما العمل لتأسيس غيرها فغير كافٍ لأنه على الأرجح ارتجالي، وخصوصاً عبر وسيلتي التعليم والإعلام. القصد أنه لا خطة، وتلزم الشفافية إعلان أية خطة بديلة.

إلى اليوم، الثقة فقط في الوظيفة الحكومية، وهي ليست وليدة اليوم؛ لذا يجب البحث في الجذور، ومخاطبة المنابع أولاً. حملات التوعية يجب أن توجه إلى المجتمع كله؛ إلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور. المعلمون فئة استهداف أولى، حيث التربية الأولى مهمة جداً، وعبرها تتأسس شخصية الطالب التي تحدد رغباته وميوله.

تأسيس الوعي من أول أيام التأسيس، فتغيير الاتجاهات نحو تقبل الوظائف غير الحكومية يبدأ من هناك، نحو مجتمع لا ينظر نظرة دونية إلى بعض الوظائف، خصوصاً المهنية والتقنية واليدوية والحرفية.

غير أن الوظائف غير الحكومية المقصودة لا تقتصر على تلك الجوانب، فهناك التجارة والاستثمار، وقطاع الأعمال بدءاً من الأعمال الصغيرة والمتوسطة المدعومة من الحكومة ينبئ عن آمال كبيرة، ولا تُعرف على وجه الدقة نسبة إشغاله من قبل الباحثين عن عمل، بمن فيهم خريجو الجامعات، لكن من قال وجوب الاعتماد على الدراسة الجامعية دون غيرها، ما ينتج سؤال البيئة التعليمية والتدريبية الملائمة لغير الوظائف الحكومية في معناها التقليدي المتداول.

المسألة متشابكة ومركبة إلى هذا الحد، لكنها لم تبلغ درجة التعقيد، والمطلوب استدراك سريع بين الاشتغالين اليومي والاستراتيجي، وإعلان واقع الحال بين المتحقق والمأمول في شفافية عالية، كما تقتضي مقتضيات الأداء الحكومي المتميز في بلادنا، مع ضرورة التنسيق بين الاتحادي والمحلي، والمحلي والمحلي، فنحن بصدد مجتمع واحد كامل ومتكامل.

ماذا، وقد تم التلميح إلى تشجيع قطاع المشتغلين لأنفسهم، مثل الأطباء والمهندسين والمحامين والمحاسبين ومدققي الحسابات؟ لا بد من اهتمام أكبر بالمنتمين إلى هذه الفئة، عبر الوعي بأوضاعهم واقتراح سبل التطوير، مع امتزاج آرائهم بشكل مستمر.

يتبين من ذلك، ومن الملاحظة الأولية الانطباعية للأسف، وجود خلل ما في مكان ما، والمؤسسة الرسمية يفترض أنها الأقدر على المتابعة والرصد والتشخيص والعلاج، ولا بد من دور متمم وواعٍ لمنظمات المجتمع المدني التي تنتمي إليها فئات «المشتغلين لأنفسهم».

مجدداً، في الختام، كما في البدء والمنتصف، المسألة مهمة ومركبة، لكنها ليست معقدة. المعالجة بعد التفكيك ممكنة مع الإرادة والإصرار، فالوظيفة الحكومية ليست العالم، ومغادرتها ليست نهاية العالم.

ebnaldeera@gmail.com