موسكو وحوار الطرشان

16-02-2019
يونس السيد

على مدى ثلاثة أيام من الحوار الذي رعته موسكو من خلال معهد الاستشراق الروسي، لم تتمكن الفصائل الفلسطينية الاثنتي عشرة، من التوافق على صيغة تنهي الانقسام وتضع استراتيجية فلسطينية موحدة للتعامل مع المخاطر التي تتهدد القضية الوطنية، وفي مقدمتها «صفقة القرن»، بسبب الخلافات المتراكمة حول دور منظمة التحرير الفلسطينية التمثيلي، علاوة على الخلافات السياسية بين الفصائل المختلفة.
الخلافات المتراكمة عبر سنوات الانقسام هي ذاتها التي انتقلت إلى موسكو، والتي أدت في اللحظات الأخيرة إلى سحب وثيقة «إعلان موسكو» التي كانت تأمل الأخيرة في تحويلها إلى ورقة أساسية في إطار تحركاتها الإقليمية والدولية، وانتزاع ورقة الانقسام من أيدي الإدارة الأمريكية التي تعمل على توظيفها في الساحة الفلسطينية لتمرير صفقة التسوية المنتظر طرحها قريباً للتداول. وكما هي العادة، تمحورت الخلافات الفلسطينية في الخلط بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي وحول شرعية المقاومة للاحتلال والشرعية الدولية وقوانينها، إلى جانب إصلاح منظمة التحرير ودورها التمثيلي؛ بحيث تتسع لكل الفصائل الفلسطينية من دون استثناء، لينسحب ذلك على مجمل النقاش بشأن رؤية كل طرف للحل المرحلي، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها شرقي القدس المحتلة، أو استخدام عبارات عامة وترك «إقامة الدولة» من دون حدود، وعدم الإشارة إلى تقسيم القدس باعتبارها كلها أرض محتلة، ناهيك عن الخلافات التفصيلية القائمة بين «فتح» والسلطة، من جهة، وقطاع غزة، من جهة أخرى.
حوار الطرشان في موسكو، لم يتمكن من التمييز بين الإمكانية الواقعية في ظل موازين القوى الراهنة والمختلة تماماً لصالح الاحتلال، والحق التاريخي في فلسطين من النهر إلى البحر، وحاجة الفلسطينيين إلى استراتيجية وطنية شاملة تجمع بين الحالتين، لا تنازل فيها عن الحق التاريخي، والتعامل بمرونة مع الإمكانية الواقعية (المرحلية) ريثما يتمكن الفلسطينيون من تعديل موازين القوى أو تحويلها لصالحهم، وعندها تتحول الوثائق إلى قصاصات ورق، على غرار ما فعله «الإسرائيليون» طوال سنوات الصراع، وخصوصاً بعد اتفاق أوسلو، فما الذي تبقى من هذا الاتفاق سوى الورق الذي كتب به والتنسيق الأمني. مشكلة الفلسطينيين أنهم يتصارعون على الورق، ومثال ذلك، أنهم بعد أن توصلوا إلى صيغة شبه نهائية للوثيقة التي كانت ستحمل اسم «إعلان موسكو»، تم في الصياغة إسقاط بعض العبارات، ما أدى إلى إعلان سحب الوثيقة، والاعتذار للدولة المضيفة التي كانت تأمل بالتوصل إلى سقف سياسي مشترك يتيح لها حرية التحرك في المحافل الدولية والإقليمية دعماً لاستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية. والواقع أن الكل يتحمل مسؤولية هذا الإخفاق، لأسباب تتعلق بالمصالح الفئوية والفصائلية التي تحول دون تحقيق رؤية وطنية لمستقبل الصراع وكيفية التعامل بشكل موحد.
ما حدث في موسكو ليس سوى انعكاس للمشهد الفلسطيني المرتبك والمنقسم، أو شئنا الدقة، الضائع في منتصف الطريق بين تحرير فلسطين والتسويات المطروحة.

younis898@yahoo.com