أوجلان.. ما الذي بقي وما الذي تغير؟

16-02-2019
محمد نورالدين

مساء الاثنين في 15 فبراير/‏ شباط 1999 تعرضت السيارة التي كانت تقل زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان للاعتراض، وخطفه وهو في طريقه إلى المطار في العاصمة الكينية نيروبي. ومع ولوج فجر الثلاثاء 16 فبراير/‏شباط كان أوجلان وصل إلى تركيا في عملية شاركت فيها المخابرات التركية والأمريكية و«الإسرائيلية»، وأودع منفرداً في سجن بجزيرة إيمرالي المعزولة في بحر مرمرة، وعرف سجنه بسجن إيمرالي وعرف أوجلان ب «نزيل إيمرالي». حكم على أوجلان بالإعدام، لكن ضغوط الاتحاد الأوروبي لإلغاء عقوبة الإعدام، في سياق الالتزام بشروط الاتحاد لعضويته، دفع بحكومة بولنت أجاويد وشريكيه حزب الحركة القومية وحزب الوطن الأم، إلى إلغاء العقوبة في الثالث من أغسطس/‏ آب 2002. فتحول الحكم على أوجلان من الإعدام إلى المؤبد. ومنذ ذلك الوقت لا يزال زعيم الحركة القومية الكردية في تركيا في السجن في انتظار المجهول.
عشرون عاماً مرت على اعتقال أوجلان. وهي مدة طويلة لم تتغير خلالها مكانته لدى الشعب الكردي في تركيا.
لكن موقع أوجلان تجاوز كرديته؛ ليحظى بتقدير واحترام جماعات وشعوب في أماكن أخرى، نظراً لدوره في مقارعة السياسات الغربية والاستعمارية. وقد كان شريكاً للمقاومة الفلسطينية في نضالها ضد الاحتلال، وقد سقط من المقاتلين الأكراد شهداء في المعارك ضد «الإسرائيليين»، ولا سيما في لبنان في مرحلة الثمانينات.
وانتشر نضال أوجلان بعيداً في العالم. ومن أبرز محطاته ردة فعل رمز النضال الجنوب إفريقي والعالمي نيلسون مانديلا، الذي رفض جائزة أتاتورك التي منحتها له تركيا في العام 1992 احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، وكان يقصد بذلك حينها التعرض اليومي الدموي للشعب الكردي، خصوصاً أنه سبق الرفض سقوط حوالي 27 قتيلاً كردياً في ديار بكر في عيد النوروز، على يد قوى الأمن التركية في مواجهة المتظاهرين.
إلى حين اعتقاله وتوقيع اتفاقية أضنة، نسج أوجلان علاقات «استراتيجية» مع سوريا. كانت داعماً قوياً له، وبسببه عرفت العلاقات التركية- السورية توترات كثيرة وصلت إلى حافة الحرب أكثر من مرة. ولا ينسى رضا ألتون القيادي البارز في حزب العمال الكردستاني فضل سوريا، وكان فضلاً تأسيسياً، على الحركة الكردية في تركيا طوال هذه الأعوام. هذا لا يعني أن الدعم السوري لم يكن في الوقت نفسه يخدم صراعات سوريا الإقليمية، ودورها في المنظومة الدولية التي كان يتزعمها الاتحاد السوفييتي.
لم يغيّب سجن أوجلان حضوره القوي في الحياة الكردية والصراعات التركية الداخلية. فكان، في ذروة تصنيفه «إرهابياً» من قبل تركيا، طرفاً من سجنه في مفاوضات مباشرة كثيرة مع ممثلي النظام التركي، ولا سيما مع رئيس الاستخبارات حاقان فيدان. ولكن في كل مرة تقترب المفاوضات من نهاية معقولة كان حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب أردوغان، يقلب الطاولة، ويصعّد في خطابه القومي المتشدد لحسابات انتخابية محلية من جهة، ولأنه، من جهة أخرى، لم يكن باعتباره جزءاً من الفكر القومي المتشدد، صادقاً في رغبته في إيجاد حل للمشكلة الكردية في تركيا، يعترف -على الأقل- بالهوية الثقافية، فما بالك بالسياسية للأكراد؟.
من داخل السجن كان الانتقال النوعي في رؤيته لحل المشكلة الكردية: الانتقال من مطلب الدولة المستقلة إلى مطلب الكونفدرالية بين كردستان تركيا وباقي أنحاء تركيا. هو ليس انفصالاً ولا استقلالاً. وهو ما اعتقد أنه يرضي تركيا.
كان أوجلان بالتأكيد ولا يزال منتقداً للخطاب العنصري، المتجاهل للحقوق الكردية، لكنه حافظ، داخل السجن، ولا يزال على خطابه الفكري والسياسي المعادي للإمبريالية ورأس حربتها الولايات المتحدة و«إسرائيل» التي خطفته ودعمت النظام التركي، في محاولات التدمير الممنهج للهوية والوجود الكردي في تركيا.
لكن التطورات في سوريا تحديداً والدعم الأمريكي لقوات حماية وحدات الشعب الكردية، والتواصل المستمر لقادة هذه القوات مع الولايات المتحدة، وآخرها الزيارة اللافتة لرئيسة «الإدارة الذاتية» إلى واشنطن، واجتماعها بالرئيس الأمريكي نفسه دونالد ترامب، تطرح سؤالاً مشروعاً ومبرراً من كل أصدقاء القضية الكردية في الشرق الأوسط، حول الاتجاهات الفكرية للحركة الكردية في هذه المرحلة ومستقبلاً، وما إذا كان أوجلان موافقاً على هذا التحالف الغريب والمستغرب الكردي- الأمريكي في سوريا أم لا. ومع أنه لم يرشح أي شيء محدد من أوجلان حول العلاقة التحالفية بين قوات حماية الشعب، الأوجلانية الهوى والممارسة، وأمريكا الإمبريالية، فإن الإجابة عن هذا السؤال من جانب أوجلان نفسه أكثر من ملحة؛ لكي يبنى على الشيء مقتضاه في هذا الاتجاه أو ذاك.