لماذا يصر ترامب على إطاحة مادورو؟

16-02-2019
د.غسان العزي

منذ 23 يناير، بات لفنزويلا رئيسان، الأول هو نيكولاس مادورو الذي أعيد انتخابه في مايو 2018 في انتخابات تشكك المعارضة المدعومة من واشنطن بنزاهتها، وخوان غوايدو، رئيس البرلمان الذي نصّب نفسه «رئيساً انتقالياً» إلى حين إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
هذا الأخير حظي على الفور باعتراف ودعم الرئيس ترامب، الذي التحقت به دول عدة مثل كندا وأعضاء «مجموعة ليما» التي تأسست في العام 2017، وتضم بلداناً من أمريكا اللاتينية والكاريبي. كما طلب وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، من الدول ال34 الأعضاء في «منظمة الدول الأمريكية»، الاعتراف بغوايدو، ففعلت ما عدا المكسيك وبوليفيا وكوبا.
من جهته في البداية، انقسم الاتحاد الأوروبي، على نفسه حيال أزمة بات بعدها الخارجي يغلب على طابعها الداخلي. لكن الرئيس الفرنسي ماكرون، سارع إلى الاعتراف بغوايدو، رئيساً قبل أن يقنع ثماني دول أوروبية بتوجيه إنذار لمادورو، كي يجري انتخابات رئاسية في غضون ثمانية أيام.
الولايات المتحدة، هددت باستخدام القوة العسكرية لإطاحة مادورو والتهديدات الأمريكية تترافق مع حصار اقتصادي وضغوط سياسية واتصالات استخباراتية بضباط الجيش الفنزويلي الكبار كي ينشقوا عن مادورو.
من جهته يحظى مادورو، بدعم قيادة الجيش، وعدد كبير من المؤيدين في الداخل، وفي الخارج تقف إلى جانبه روسيا والصين وإيران وتركيا، وبعض الدول من هنا وهناك.
والأخبار غير المؤكدة عن رصد الاستخبارات الأمريكية لطائرات استراتيجية روسية في فنزويلا، تعيد إلى الأذهان شبح «أزمة خليج الخنازير» بين خروتشوف وكيندي في العام 1962.
من هنا يتخوف مراقبون كثيرون من أن تغدو فنزويلا ساحة لحرب باردة جديدة. لكن لماذا تتدخل واشنطن في فنزويلا بذريعة الديمقراطية، بالرغم من أنها دعمت ولا تزال أنظمة دكتاتورية كثيرة في العالم؟
* أولاً، بسبب هذا التاريخ الطويل المشترك للعلاقة بين البلدين. فمنذ مبدأ مونرو في العام 1823، اعتبرت واشنطن أمريكا اللاتينية حديقتها الخلفية التي من غير المسموح لأحد التدخل فيها وتهديد الأمن القومي الأمريكيز
* ثانياً، في القرن العشرين، أضحت فنزويلا بلداً نفطياً غنياً يمتلك احتياطياً نفطياً من بين الأضخم في العالم (ثلث الاحتياط العالمي أي 1300 مليار برميل يمكن استخراج 20% منها بالوسائل التكنولوجية الحالية).
وقد سيطرت على هذا القطاع، شركات متعددة الجنسية، أمريكية في جلها، وتحديداً ما سمي ب«الأخوات السبع». وما خلا فئة قليلة كانت تغتني بشكل فاحش لم يكن الشعب الفنزويلي يستفيد من هذه الثروة. وفي 4 فبراير1992، قام الضابط هوغو شافيز، بمحاولة انقلابية فاشلة أودعته السجن لمدة عامين قبل أن يفوز في العام 1998، في انتخابات جرت تحت إشراف دولي على خلفية برنامج اشتراكي وإعلانات معادية لواشنطن، التي حاولت استخباراتها الإطاحة به في انقلاب فاشل في العام 2002. وقد وفى شافيز، بوعوده فقام بتأميم النفط وتطبيق برامج اجتماعية كلفت 400 مليار دولار لمصلحة الطبقات الفقيرة. لكنه فشل في تنويع مصادر الدخل القومي.
قبل أن يتوفى بالسرطان في العام 2012 عين خليفة له هو النقابي السابق كارلوس مادورو، الذي سار على نهجه في السياستين الخارجية والداخلية. لكن في عهده تراجعت أسعار النفط بشكل دراماتيكي، الأمر الذي هز أركان الاقتصاد الفنزويلي المعتمد أساساً على هذه المادة الاستراتيجية. وبدأت الأزمة تعبر عن نفسها عبر تفاقم البطالة وانتشار الجريمة وشح في المواد الغذائية والطبية وهجرة متزايدة.
وفي المحيط الجيوبوليتيكي، فإن دولاً كثيرة كانت قد خرجت من دائرة النفوذ الأمريكي في العقد الماضي، عادت إليها في الأعوام القليلة المنصرمة: الباراجواي والأورجواي وكولومبيا وتشيلي والأرجنتين والبيرو والبرازيل، ثم موت كاسترو وشافيز الخ. وهذا ما فكك التحالف المعادي لأمريكا .
إنها ثمرة استراتيجية احتواء من قبل واشنطن، تهدف إلى إضعاف النفوذ المتنامي للصين وروسيا في أمريكا الجنوبية. وهي استراتيجية تستخدم كل الضغوط الاقتصادية والسياسية والاستخباراتية لخنق الأنظمة المعادية.
* ثالثاً، هناك مجموعة فنزويلية (على غرار الكوبية)، تشكل خزاناً انتخابياً مهماً تربو على النصف مليون نسمة يقيم جلهم في فلوريدا وهي ولاية تتأرجح عادة ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. فوز ترامب، في كاراكاس، يمثل ورقة صالحة للاستثمار في حملته الانتخابية المقبلة.