أمريكا اللاتينية وعصا ترامب

16-02-2019
الحسين الزاوي

بعد سنوات من الهدوء والعمل الاستخباراتي السري، عادت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، إلى التلويح بالعصا الغليظة من أجل إعادة دول أمريكا اللاتينية الضالة إلى حضن البيت الأمريكي، كما كان عليه الشأن في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، في زمن حكم القيادات العسكرية الفاشية التي قامت بتجاوزات كبيرة بحق معارضيها في العديد من دول القارة، وخاصة في التشيلي أثناء حكم الطاغية بينوشي، وفي البرازيل والأرجنتين، وذلك في مرحلة تاريخية كانت فيها النخب العسكرية تمثل اليد الطولى التي تبطش بها واشنطن، بكل خصومها الذين كانوا يعملون على تأسيس أنظمة يسارية معادية لها، في منطقة حساسة بالنسبة لأمنها القومي، وتعتبرها جزءاً من حديقتها الخلفية.
وقد أعاد تلويح جون بولتون، مستشار الأمن القومي بإمكانية استخدام القوة العسكرية ضد فنزويلا من أجل إجبار الرئيس مادورو على مغادرة الحكم إلى الأذهان سيناريوهات التدخلات العسكرية التي نفذتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة في حدودها الجنوبية منذ استيلائها على نصف الأراضي المكسيكية بداية من سنة 1846، ثم تدخلاتها المتتالية حتى الثمانينات من القرن الماضي، في العديد من الدول مثل كوبا، ونيكاراجوا، والتشيلي، وكولومبيا، فضلاً عن اجتياحها لجزيرة جرانادا، ثم بنما، التي تدخلت فيها من أجل إلقاء القبض على رئيسها، في سابقة كانت الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية.
وتشير كثير من التقارير إلى أن الحماس الكبير الذي تُبديه واشنطن حالياً، بشأن تغيير النظام في كاركاس، يأتي بعد التغيّرات الكبرى التي شهدتها بعض دول أمريكا الجنوبية، والتي سمحت لقوى اليمين باستعادة السلطة في دول كبرى وازنة، كما هو الحال في البرازيل التي ظلت في قبضة اليسار في زمن حكم الرئيس لولا داسيلفا، والرئيسة المقالة ديلما روسيف من سنة 2002 إلى 2016، كما أن اللافت في كل ما يحدث لا يتعلق فقط بسقوط اليسار وعودة اليمين إلى الحكم في البرازيل التي تمثل إحدى الدول الرئيسية المؤسسة لمجموعة البريكس، ولكنه يرتبط بالعودة غير المتوقعة للقوى اليمينية في نسختها العسكرية المتشددة، بقيادة الضابط السابق في الجيش البرازيلي جايير بولسونارو، الذي لم يُخف إعجابه بسياسات الرئيس ترامب الشعبوية، منذ بداية الحملات الدعائية في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في البرازيل، والتي جرت في الثلث الأخير من السنة الماضية، وفاز بولسونارو بجولة الإعادة فيها، بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ومن الواضح أن تسلم السلطة من طرف بولسونارو في البرازيل، لم يكن بمثابة حدث سياسي عابر، يمكنه أن يزول مع نهاية الولاية الحالية للرئيس، ولكنه يمثل في أعين المراقبين بداية لعودة قوية للنخب العسكرية التقليدية في هذا البلد إلى الواجهة السياسية، بعد أن شوهد كثير من القيادات العسكرية العليا في لقاءات حميمة مع كبار المنظرين الأيديولوجيين لتيار اليمين الليبرالي الجديد في البرازيل؛ الأمر الذي يعكس الدعم الكبير الذي بات الرئيس الجديد يحظى به من قبل القيادات العسكرية البرازيلية، والذي تجلى بشكل واضح من خلال تعيين الرئيس بولسونارو للكثير من القيادات العسكرية السابقة، في عدد من المناصب العليا في حكومته الجديدة، لاسيما في منصب نائب الرئيس، وفي حقائب وزارية متعددة كالدفاع والتكنولوجيا والعلوم.
ووصل عدد هؤلاء العسكريين المتقاعدين الذين تم تعيينهم إلى 7 شخصيات، ليتجاوز عددهم مجموع العسكريين الذين جرى تعيينهم في زمن الديكتاتورية العسكرية التي سيطرت على السلطة في البرازيل من 1964 إلى 1985.
ومن الواضح في السياق نفسه، أن التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لفنزويلا، يبدو الآن أكثر قوة من خلال سعيها المباشر والعلني إلى إسقاط نظام مادورو، ودعمها غير المشروط لزعيم المعارضة جوايدو، وقيامها أيضاً بالضغط على المؤسسة العسكرية في هذا البلد من أجل الاصطفاف إلى جانب المعارضة، وكأنها تريد أن تعيد إحياء حكم المؤسسات العسكرية في أمريكا اللاتينية.
ويمكن القول إنه بصرف النظر عن نتائج التطورات العاصفة التي تشهدها كراكاس، فإن واشنطن نجحت خلال السنوات القليلة الماضية في إعادة ترتيب الأوضاع في جوارها الإقليمي في أمريكا الجنوبية، وأسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في سقوط كثير من الأنظمة اليسارية التي يجب الاعتراف بأن أخطاءها في ممارسة السلطة كانت قاتلة، وأثرت بشكل لافت في التوازنات الداخلية للدول التي وصل فيها اليسار إلى السلطة. وعليه فإنه على الرغم من كل الضغوط التي تمارسها واشنطن على مادورو، والتي وصلت إلى حد تهديد ترامب بالتدخل العسكري، وعدم استبعاد زعيم المعارضة بالسماح للقوات الأمريكية بعبور الحدود الفنزويلية، بدعوى تقديم المساعدات الإنسانية، فإن تغيير النظام في فنزويلا لن يكون سهلاً، نتيجة للتعقيدات الجيوسياسية المتعلقة بالتنافس بين القوى الكبرى في المنطقة.

hzaoui63@yahoo.fr