شتائم إعلامنا السعودي!

23-01-2019

أظن ظنا يراود اليقين عن نفسه بأنني لو قلت على سبيل التأكيد إن إعلامنا فشل فشلا ذريعا في الدفاع عن وطننا خلال الأزمات التي مررنا بها فإن الأغلبية ستتفق معي، ولو كلت المزيد من الشتائم التي قد تصل لحدود التخوين فلا أحد سيطالبني بكيفية وصولي لهذه النتيجة، ولو عدنا إلى عقود مضت (قبل أن تمر بنا الأزمات الأخيرة التي قادها الإعلام) لوجدنا أن الجميع يشتم الإعلام السعودي، وبالتأكيد كلكم تذكرون أن صحفنا كانت تسمى بأسماء أو بالأصح شتائم تنتقص منها، فكانت هناك صحيفة (الوثن) وصحيفة (خضراء الدمن) - هذا على سبيل المثال. أما التلفزيون فكانت هناك (غصب 1- 2) وهناك (قناة العبرية)، وكل ذراع إعلامي للسعودية يتم تشويهه بمنهجية عالية وطويلة، أي لعقود.

تعرفون بالتأكيد من أطلق هذه المسميات، ومن كررها لعقود حتى تحققت نبوءة جوبلز الشهيرة (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس)، فالتشويه الممنهج استمر لعقود حتى أصبح كحقيقة مسلمة في ذاكرة الناس، وللأمانة الذين شوهوا كل وسيلة إعلام سعودية أو محسوبة على السعودية أنفسهم لم يقولوا حرفا واحدا تجاه قناة الجزيرة القطرية، هم فقط شوهوا كل منافسيها، وغضوا الطرف عنها، رغم أنها في أغلب الأحيان كانت هي الأكثر إثارة.

أعلم أن من يقرؤني الآن سيقول: نعم إعلامنا فاشل جدا ولا تحاول الدفاع عنه، ولو طالبته بدليل أو مقياس جعله يرتاح لتصنيف الفشل لوجدته الكلام المكرر الذي يقوله الكل، ولأن الكل يقوله أصبح هذا دليلا كافيا لصحته، وهذا ما جعل كثيرا من الإعلاميين أنفسهم يركبون موجة الشعبوية، ويشتمون أنفسهم، بل يكادون أن يخونوا أنفسهم، كل ذلك لتهتف لهم الجماهير، ولا أدري كيف لإعلامي يقدم برنامجه التلفزيوني مع ضيوفه وبعد انتهاء البرنامج يأتي للسوشال ميديا لينتقد الإعلام الفاشل الذي تخلى عن الوطن؟ وكأنه قضى يومه بحفر الآبار وسقيا النخيل على مشارف المدينة، ثم يحاول - بحكم خبرته - أن يقارن بين تأثير إعلامنا والإعلام الآخر، كأن يقارن بين قنواتنا وقنوات الـ cnn أو الجزيرة - على سبيل المثال - ثم ينثر الكلمات العاطفية التي تأخذ الجمهور للزاوية التي يريدها، وهو يعلم علم اليقين أن هذه القنوات كانت أبعد عن المهنية، وما تعمله الآن ليس أكثر من كونها وسائل إعلامية تعمل لمصلحة جهات استخباراتية، وهو كمن - وآسف للتشبيه - يحاول أن يقول للممثلين إن الممثلين الإباحيين في العالم أكثر دخلا وشهرة وتأثيرا، ويطلب من الممثل المحلي أن يكون منافسا لهم.

الأمر الآخر الذي يقاتلون به من أجل إثبات أن إعلامنا متخلف وفاشل (مع يقيني أن أغلبهم لا يحمل أجندة معادية، إنما لغرض الشعبوية فقط) أنهم يستشهدون (بالمغردين في تويتر)، وكيف أنهم أبدعوا وتجاوزوا الإعلام التقليدي.

ومع أنني لا أبخس المغردين حقهم، لكن المقارنة بين وسيلة إعلامية وأخرى مقارنة ظالمة، هي كالمقارنة بين لاعب كرة قدم ولاعب كرة سلة، فليس من المنطقي أن تأتي بلاعب كرة قدم وتطلب منه أن يبدع في كرة السلة، كذلك المغردون، لو أتيت بهم أمام شاشة التلفزيون أو بمطبخ صحفي وطلبت منهم مادة صحفية فإنهم لن يبدعوا كإبداعهم في مجالهم الأصلي، فما يقوله فرد في تويتر في بعض الأحيان لا تستطيع قوله قناة رسمية أو صحيفة، لأسباب عدة، أقلها أن الفرد يستطيع أن يقول: أتوقع، أو سمعت.. ثم يورد خبرا، حتى وإن لم يصدق الخبر فإن ذلك لن يؤثر عليه، لكن وسيلة الإعلام الرسمية يهمها مصداقيتها، فقد ينشر المغرد خبرا صحيحا فعلا، لكن المؤسسات الصحفية لا تستطيع نشره سوى بعد التأكد من المصدر، وبعد التأكد تنشره فيقول المتلقي إن المغرد فلان أفضل منكم لأنه نشره قبل ساعات، لكن لو حدث العكس ونشرت الصحيفة خبرا وتم تكذيبه فيما بعد فإن الملام هي الصحيفة فقط. وللكلام بقية.

Fheedal3deem@