الحرية الفردية وضوابطها

18-01-2019

ما من مفارقة حين يكون الفرد حر ذاته، وهذا حق من حقوقه المشروعة له إنسانياً، ولكن عليه أن يتقيد بحدود حريته لنفسه، وألا يكون سبباً في إيذاء الآخر بتصرفاته. وهذا ما نسميه عقد الإنسان مع الآخر مثله كمثل العقد الاجتماعي.

حتى الحرية مع الذات يجب أن يكون لها ضوابط؛ أي يجب ألا أؤذي نفسي بتصرفات هوجاء كتعاطي المخدرات والإسراف في الملذات.. إلخ، وأن يكون لدي علم مسبق بمخاطرها، فالعقل سيكون هو الحكم بالحد من تصرفاتي.

بعد أن يرشدني العقل لهذا الأمر الخطير سيكون لي قانون خاص بالحد من سلوكي وتصرفاتي الخاصة. ولكن قبل أن أسلك لنفسي قانوناً يجب أن أضع لنفسي "عقداً ذاتياً" أو نسميه العقد الفردي. وهو عقدٌ يضع متطلباتي الخاصة بالحياة، أي التراضي والتراخي مع كينونتي.

لو كل إنسان وضع لنفسه عقداً لن يحتاج لقانون يردع فيه نفسه؛ أي الضمير حين يخاطبه ويلومه على ما بدر عن نفسه، ولكن أولاً وأخيراً ضرورة وضع ذلك الأمر. فالنفس لها هفواتها وصولاتها ولابد أن تضعف يوماً ما، حينها يكون هذا القانون الحصن الآمن ليحميه من الشرور.

هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، ماذا عن العقد الأسري وهذا العقد جد مهم في الحياة الاجتماعية، وهو المسؤول الأول عن تصرفات أفراد الأسرة وله علاقة في تأسيس عقد الإنسان مع ذاته حين يبلغ أشده أي بعد مرحلة المراهقة يبدأ بالتكوين وذلك حين يستمد تعاليمه من أبويه، وهذا لا يعني أن يطبق حرفياً ما جرى بزمانهما، وإنما يأخذ بالأصول والقواعد حتى يكوّن ذاته من خلال نشأته الأولى، حينها يكون إنساناً حراً مستقلاً بذاته، ولكن يظل يحمل بذور ما تربى عليه سابقاً؛ مهما شاخ وكبر.

لهذا ضرورة أن يكون الفرد ذا صلة بأسرته الأولى وإن تباعدت المسافات يظل الجانب الفكري والتربوي عالقاً في مسيرة حياته، ويحمل ما تبقى من تربية الوالدين إلى تعليم أبنائه، ولكن شريطة أن يراعي الظروف والمتغيرات التي طرأت على المجتمع، وليتذكر أن الإنسان كائن حي يتغير في أطوارٍ مختلفة.

وهنا ندخل في جانب المناقشة والحوار الهادئ عند أي تغيير يطرأ مع الذات أو مع فرد من أفراد الأسرة، مع الرجوع للعقد والاتفاق المسبق. فالهدوء وعدم التعصب يعطيان للعقل مساحة من التفكير في مراجعة النفس. فإذا كان بين أفراد الأسرة محبة وصراحة وصدق، نضمن بناءً راسخاً لا يهتز.