عملة أهل الكهف

18-01-2019

يصنع البروفيسور الحاج أوحمنة دوّاق الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، بمقطع صغير يتحدث فيه عن عدة المسلم العقلية والعقائدية في الزمن المعاصر لتأهيل الذات، يصغي الجمهور العربي لخطابه العقلاني، النابع من خلفية ثقافية فلسفية عميقة، بشكل لم يحققه دعاة الفضائيات على مدى عشرات السنين.

يخرج هذا الرجل بعباءة الفلاسفة الحقيقيين، المدركين لدورهم الصحيح لمشاركة الناس همومهم، لكن بما يمليه العقل.

بهدوء لم نعهده في مناقشات تتناول حلقة الأديان والمذاهب، والفتاوى، اختصر "دوّاق" أزمتنا المعاصرة، وأشار لخطورة أن نتوكأ على الماضي، فيما نحن نعيش في زمن مغاير.

وقد كتب بعض الكُتّاب العرب المحافظين، مقالات للتشكيك في المنحى العقلاني للبروفيسور دواق، من منطلق أن الموروث الديني الذي تركه لنا الأسلاف هو الأصدق والأقرب للإلمام بثوابت الإسلام وتفاصيله. والسؤال المطروح هنا لا يتعلّق بما قاله دواق بل بالدفاع المستميت لكتاب يجهلون ما تخفيه كتب السابقين؟ من دعوات للعنف، وسفك الدماء، وإثارة زوابع الكراهية بين المسلمين أنفسهم.

إن كبسة زر واحدة اليوم تخرج نوادر الكتب أمامنا، القديم منها والحديث، المحقق وغير المحقق، و كلٌّ يسهل الحصول عليه، ولكن عوائق القراءة تبدو أكثر قوة من الخوض في معارك العقل بالأدلّة والحجج القاطعة، وأول هذه العوائق الخوف من الحقيقة.

نحن خائفون من اكتشاف مدى انخداعنا بين منتجات الفكر الإسلامي الحقيقية والمنتجات الإيديولوجية التي تصارعت من أجل الاستيلاء على السلطة على مدى قرون، ويبدو الاستسلام لبعض المقولات التي طافت على السطح المعاصر، كمن يتمسّك بخشبات الخلاص خلال العاصفة في قلب البحر. لكن هل هذا هو الحل؟

طرحت هذه الأسئلة من طرف مفكّرين كثر أمثال محمد أركون، ومصطفى شريف ووحيد الدين خان وغيرهم من المفكّرين المشتغلين على الثيمة الإسلامية وموقع الإنسان المسلم بين دينه وتراثياته، وبين تصادم ثقافته مع ثقافة الآخر، والجمود الّلا مفهوم لحركته في نقطة تشطره نصفين بين الماضي السّحيق والحاضر.

الفكرة المنبثقة من كلام البروفيسور دواق أثارت محنة تأهيل الذات المسلمة، مع طرح لكيفية دمجها في النّمط الحياتي الحالي دون إخلال بمُتُونِها الإيمانية، وأعتقد أن ما قاله يخفف من حدّة القلق الذي تعيشه مجتمعاتنا المتخبّطة في قفص مغلق، وكأنّها حيوانات متوحّشة، مرعوبة ممن خارج القفص، فيما من خارجه مرعوب منها..

إن غلطتنا اليوم فظيعة وغير مقبولة، إن مارسنا الفرجة السلبية بدل إعمال العقل، لأن دور المفكّر ليس الدفاع عن فكر السلف بل إخراجه للنّور ومناقشته علناً، لحظتها فقط سيتبين أن عملة أهل الكهف لم تكن صالحة لزمنهم الجديد.