النفط لا يعني الاسترخاء والكسل

17-01-2019

حين تكاثرت الأموال في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بسبب الفتوحات وتعاظم إيرادات الخراج، فكّر أن يمنح المهاجرين والأنصار - ممن نشروا دعوة الإسلام - أموالاً كثيرة، ولكنه استشار الصحابة قبل أن يُقدم على ذلك فقال له حكماؤهم:

  • لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن قريش أهل تجارة، والأنصار أهل زراعة، فإن جاءتهم أموال كثيرة سهلة تركوا التجارة والزراعة، واستغنوا بهذه الأموال عن العمل .. ( أو بهذا الممعنى)..

قلت: ولا شكّ أن النفط نعمة كبرى منحها الله، جلّ وعزّ، للمملكة، ووفّق الله قيادتها للإبداع في استخراجه وتنمية منابعه وحسن إدارة أسعاره على المستوى العالمي بحيث يتوازن العرض والطلب، كما أن الاستقرار العميم والسياسة الخارجية السليمة للمملكة حققت للنفط السعودي (ثقة عالمية) من المستوردين، ولم تتعرض المملكة أبداً لأي شبهة حصار اقتصادي كما حدث مع عدة دول نفطية ارتكبت حماقات في سياستها الخارجية.

عائدات النفط الهائلة صرفت في تنمية المملكة بشكل هائل لا نشعر نحن المواطنين بمدى ضخامته لأننا في داخله نُشبه راكب الطائرة الذي يقطع مسافات هائلة بسرعة فائقة وهو لا يشعر بذلك.

ولكن عائدات النفط الوفيرة علّمت كثيراً منّا الاسترخاء وعوّدتهم على الكسل والكسب السهل، والبحث عن الوظائف المكتبية ذات الإنتاج المحدود والدخل المحدود، أو الاعتماد على دخول ثابته من عقار وأسهم وفوائد بنكية - لدى البعض - مع عزوف الكثير من أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار في المصانع والخدمات بل وحتى المباني وتفضيلهم شراء الأراضي واحتكارها وانتظار ارتفاع أسعارها بلا تعب ولا مصاريف ولا وجع رأس كما يعتقدون.

والاعتياد على الاسترخاء والكسل، والاعتماد على الكسب السهل، من الأمراض الاجتماعية التي تُفرِّغ الإنسان من الداخل، وتحرمه من القوة الذاتية القادرة على توليد المال باستمرار عن طريق العمل، كما كان آباؤنا وأجدادنا يعملون، حين كانوا يمارسون شتى المهن والحرف ولا يعتمدون أبداً على الوافدين، فالعمل الجاد قيمة إنسانية قبل كل شيء وهو عبادة لله مع الصدق والإخلاص.