القائد وقصته الملهمة

18-01-2019

شيخه الجابري

في كتابه الجديد «قصتي» وفي المقتطفات التي نُشرت في الصحف استوقفني موقف مهم وقصة ملهمة، ذكرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يقول فيها: «قبل الثامنة، علّمني والدي كيف أعيش في الصحراء مع هوامها ودوابها، مع ذئابها وغزلانها، مع بردها وحرِّها وتقلُّباتها.. بعد الثامنة، علّمني والدي أن أعيش في المدينة، مع البشر.. ما أقسى البشر، وما أجمل الصحراء».

هذه القصة تحمل مفارقة جميلة وغريبة في آنٍ معاً، فيها يتقاطع الخير والشر، والجمال والقبح، والصفاء والضجيج، والهدوء والصخب، وفيها تتضح فلسفة القائد الذي يقرأ المكان كما يلتقط بعدسة وعيهِ ما يحمل الزمان من حالات ومواقف هي في الواقع تقاطعات يتماهى فيها الخيال مع الواقع فيلتقط الصورة في «ما أقسى البشر، وما أجمل الصحراء».

ما أجمل هذه العبارة وما أشد واقعيتها، إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هنا في هذه العبارة، على الدقة، يقرأ الحياة بمنظاره الذي شخّص العلّة حيث في الصحراء متسع من الرحابة رغم أنها صحراء في معناها القسوة عندما يشتد لهيبها، لكنها إذا ما قورنت بالبشر وما يفعلون فإنها أكثر رفقة وحنواً وشعوراً منهم، فالبشر بطبائعهم يحملون صفات عديدة منها القسوة، كما أن منها الرفق، وفيها الحب كما أن فيها الكُره، هم بشر بكل ما يحملون من اختلاف واتفاق، ومن ضوء وعتمة، قرأها صاحب الرؤية العميقة بدقة وعناية لأنها لامست في روحه، رعاه الله، شيئاً يراه هو بقلبه، فينعكس ذلك على قطاع واسع من البشر، وكأنه بأصواتهم ووجعهم يتحدث.

إنّ هذه القصة تحمل في داخلها الكثير من العمق الذي يحيلنا إلى ضرورة أن نقرأ المكان ونعي الزمان ونستنطق الكامن من الشعور، فنعبّر عنه ولا نخفي مشاعرنا ونظرتنا الخاصة لما حولنا، بشراً، أمكنة، مواقف، مشاعر، حوادث، هكذا نكون متصالحين مع ذواتنا والآخر، وهكذا تبدو الحياة أكثر وضوحاً وشفافية وجمالاً واحتواء.

شكراً يا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أيها الملهم الذي يقرأ الذات والآخر معها بدقة وحنكة وواقعية يفتقدها الكثير من المبدعين.

Qasaed21@gmail.com