للأميّة وجوه

18-01-2019

د. حسن مدن

حسب إحصائية تعود إلى العام 2016، فإن نسبة الأمية في العالم العربي بلغت 27.1%. ليس هذا هو الأمر المفزع الوحيد؛ أي أن تكون قُرابة ثلث العرب أميين. ثمة نسبة أخرى لا تقل مدعاة للفزع أوردتها منظمة «اليونيسكو» مضمونها أن نسبة الأمية عربياً، كانت نحو 16% للعالم خلال الفترة العائدة إلى العام 2008 وما تلاه؛ أي أننا لا نسير في الطريق الذي يجب أن تسير فيه الأمم المبتلاة بالنسبة العالية للأمية؛ أي تقليص الهوة بين الأميين والمتعلمين، فهذه الهوة آخذة في الارتفاع بنحو يدعو إلى الخوف الشديد على المستقبل.

وإضافة إلى عجز الحكومات وسوء أدائها وخلل ترتيبها للأولويات مما ينعكس على هذا الحقل كما على سواه فإن الظروف الصعبة التي تمر بها بلدان عربية عدة، مسؤولة أيضاً عن هذا التردي، فحين تكون جبهات الحروب الأهلية والحروب المفروضة من الخارج مشتعلة، فإن الاهتمام بالتعليم سيهبط إلى قاع الاهتمامات؛ حيث تغلق المدارس فصولها، ويساق الشبان إلى أتون الحروب العبثية الدائرة، وهم خِلو من أي تعليم أو معرفة، مما يجعلهم لقمة سائغة للتنظيمات التكفيرية التي تحشو أدمغتهم بالترهات.

إحصائية أحدث تعود إلى العام 2017 صادرة عن «اليونيسكو» أيضاً، تفيد بأن واحداً من كل خمسة بالغين في العالم العربي يعاني الأمية. ومع أن بعض البلدان العربية حققت نجاحات في هذا الحقل، بينها أغلبية دول الخليج العربي، حيث تبقى نسبة الأمية عند الحدود الدنيا فعلاً، فإن البلدان العربية ذات الكثافة السكانية العالية تعاني نِسب أمية مقلقة، بينها بلدان عُرفت بجودة التعليم سابقاً، منها العراق ومصر وسوريا، والمغرب وتونس.

ليست الأمية الأبجدية أي عدم التمكن من الكتابة والقراءة هي الوجه الوحيد للأمية.

ففي مقالة مهمة للدكتور محمد مندور كتبها قبل أكثر من سبعين عاماً إذ تعود إلى العام 1944 يُفرِّق بين ثلاثة وجوه للأمية: الأمية الأبجدية التي أتينا على ذكرها، والأمية العقلية، وأمية المتعلمين، ملاحظاً أن الأمية الأبجدية هي أهون الأميات، فمحو الأمية العقلية أشقّ وأبعد مدى.

وكان الرجل يومها يُعوِّل على أننا ذاهبون إلى محو الأمية الأبجدية، لكن علينا الانتباه لما هو أخطر منها؛ أي تحرير العقول من الجهل. أما أمية المتعلمين فلها برأيه ثلاثة مظاهر: الانتهاء من التعليم بفائدة ضئيلة، وعدم تنمية كل صاحب تخصص لمعلوماته بعد التخرج، وأخيراً ضعف الثقافة العامة عند معظم المتعلمين.

كل هذه الآفات ما انفكت تتسع وتتفاقم.

madanbahrain@gmail.com