شتاء مملوء بالموت

18-01-2019
علي قباجه

اكتملت حلقات الألم على اللاجئين السوريين الذين ذاقوا كل أوجه الويلات، بدءاً من الحرب القاسية التي امتدت لسنوات عجاف، امتلأت فيها البلاد بالدماء ورائحة الموت، مروراً بهروبهم من جحيمها وصولاً إلى العيش مكدسين في مخيمات لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة، ليأتي الشتاء ليعيد لهم ما تبقى من طريق الآلام.
رُضّع ونساء سقطوا نتيجة البرد القارس الذي ألقى بظلاله على بلاد الشام، حيث مات ما لا يقل عن 15، وهم ينتظرون من ينشلهم من هذا الزمهرير الوحش القاتل، في حين أن المساعدات المقدمة لا تكاد أن تسد رمقهم، في ظل افتقادهم أدنى مقومات حاجياتهم، وهو ما يضع العرب أولاً والعالم ثانياً أمام مسؤولياتهم للقيام بواجباتهم تجاه هذه الشريحة المسحوقة، إذ لا أوطان يتدفؤون بها ولا معين ولا حقوق يطالبون بها في دول غير دولتهم.
الشتاء في الأوضاع الطبيعية هو رمز للخير والعطاء، ولكن بالنسبة للاجئين فإنه فصل أثخن فيهم قتلاً وتجويعاً وبرداً، فمن نجا من الحرب المدمرة، قتلته لفحات الصقيع المترافقة مع الجوع والأمعاء الخاوية، فلا أوطان تجود عليهم، ولا مخيمات تحافظ على حياتهم.
ومع حجم المأساة التي يواجهونها، فلا بد من تحرك عربي عاجل، لوضع الخطط لحمايتهم، وإغاثتهم، وعلى الجامعة العربية أن تتبنّى هذا الأمر، ففي كل شتاء يواجه اللاجئون نفس المأساة، وتزهق أرواحهم لضيق ذات اليد، فالأولى هو وضع حد لهذا النزيف، وأن تصرف أموال لهم، وأن يتم إخراجهم من مأزقهم بشكل جديّ ودون تأخير.
فالشتاء في بلاد الشام لا يرحم من لا يملك ما يأويه، وثمة 50 ألف لاجئ في مخيم الركبان بالأردن والآلاف في مخيمات لبنان، جلّ ما يملكونه هو خيمة لا تقيهم برداً أو حرّاً، في ظل تخلي المجتمع الدولي عنهم، وعدم سعيه إلى إيجاد حلول جذرية لهم، بل إن هذا المجتمع يرفض استقبال جزء يسير منهم في دِوَلِه ويتركهم عرضة للموت في البحار، أو لقمة سائغة لابتزاز تجار البشر.
اللاجئون العرب كُثر، بدءاً من فلسطين ومروراً بسوريا وغيرها من الدول، لذا فلا بد من برنامج عربي يتجه لتخفيف التوترات في المنطقة لتأمين هذه الشعوب، وأيضاً منح التعويض والتخفيف لمن أصابهم شيء من هذه الصرعات المميتة، فثمة إمكانيات عربية كبيرة تستطيع القيام بما هو مطلوب تجاه إخوانهم اللاجئين، أما الفلسطينيون المهجرون فإنهم ينتظرون فعلاً عربياً لإجبار «إسرائيل» على إعادتهم إلى وطنهم المسلوب.
اللاجئون، يكشفون ضعف وقلة حيلة العرب والمنظمات الإنسانية. وأرواحهم ستبقى نقطة سوداء تسجل في تاريخهم، فقد ظهر وهنهم وضعف ردات فعلهم في التعامل مع الأزمات للقاصي والداني. والعرب بمقدورهم حل مشكلة اللجوء من جذورها بمنع مسبباته عن طريق تلافي الاحتقانات والصراعات البينية وتكوين ذاتهم والنهوض من كبوتهم وردم خلافاتهم إذا توفرت إرادة حقيقية لذلك.. فهل يتم التوجه لحماية الشعوب أم أن الشقاق سيبقى متسيداً المنطقة؟.
والنهضة الحقيقية تبدأ أولاً بحماية الأرواح وتوفير مقومات الحياة للإنسان لأنه اللبنة الحقيقية للبناء، ومن هذا المنطلق يتحتم على حكومات المنطقة القيام بواجباتها في توفير العيش الكريم لشعوبها، وعدم صرف الوقت في سجالات وصراعات ترجع البلاد سنوات للوراء، وتشتت العباد في أصقاع الدنيا.
aliqabajah@gmail.com