إنقاذ أوروبا من سباق نووي

18-01-2019
داريل ج. كيمبول

في الشهر المقبل، من المحتمل جدّاً، أن تتخذ إدارة ترامب، الخطوة التالية باتجاه تنفيذ تهديد الرئيس ب«إنهاء» واحدة من أنجح اتفاقيات الحدّ من الأسلحة النووية وأبعدها مدى: وهي معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (آيْ إنْ إفْ)، لعام 1987، التي أدت إلى القضاء القابل للتحقق منه، على 2792 صاروخاً سوفييتيّاً وأمريكيّاً في أوروبا.
لقد ساعدت المعاهدة على وضع نهاية للحرب الباردة، ومهّدت السبيل لاتفاقياتٍ لخفض كبير للترسانات النووية الاستراتيجية المتضخمة، وسحب ألوف من الأسلحة النووية التكتيكية من مناطق متقدمة منشورة فيها.
فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 4 ديسمبر/كانون الأول، أن روسيا أنزلت إلى الميدان نظام صواريخ يُطلق من الأرض، هو «9 إمْ 729»، ويتجاوز الحدّ المسموح به لنطاق الصواريخ المنصوص عليه في معاهدة «آيْ إنْ إفْ»، المحدد ب 500 كيلومتر. كما أعلن أن الإدارة، سوف «تعلّق»، خلال 60 يوماً التزامات الولايات المتحدة بموجب المعاهدة، وتعلن رسميّاً نيّتها الانسحاب خلال ستة أشهر، ما لم تعُد روسيا إلى الامتثال. وسوف يتيح التعليق للإدارة محاولة تسريع تطوير صواريخ جديدة محظورة حالياً بموجب المعاهدة.
وعدم الامتثال للمعاهدة غير مقبول، ويستحق ردّ فعل قوياً. ولكن تصريح ترامب، العلني بأنه سوف يُنهي المعاهدة ويواصل السعي إلى تحقيق قدرات نووية أمريكية جديدة، لن يعيد روسيا إلى الامتثال لمعاهدة «آيْ إنْ إفْ». والأسوأ من ذلك كله، أن نسْف المعاهدة، من دون خطة بديلة، يمكن أن يفتح الباب لحقبة جديدة خطيرة من المنافسة العسكرية غير المقيّدة مع روسيا.
ومن دون المعاهدة، سوف تزداد التوترات الحادة أصلاً، إذ تدرُس واشنطن نشر صواريخ جديدة متوسطة المدى في أوروبا، وربما في أماكن أخرى، وتدرُس روسيا زيادة عمليات نشر صواريخ «9 إمْ 729»، وأنظمة جديدة أخرى.
وإذا تمّ نشر هذه الأسلحة ذات القدرة النووية من جديد، فسوف تكون قادرة على ضرب أهداف تقع في عُمق روسيا وأوروبا الغربية. وتزيد قدرتها على الاستهداف في وقت قصير، من خطر إساءة التقدير في الأزمات. فمِن شأن أي هجوم نووي على روسيا، يتضمن صواريخ أمريكية مسلحة نووياً، متوسطة المدى، متمركزة في أوروبا، أن يستفزّ هجوماً مضادّاً نووياً روسياً هائلاً على أوروبا، وعلى الولايات المتحدة.
وقد عبّر بومبيو، في إعلان المُهلة النهائية الأمريكية بشأن المعاهدة، عن «الأمل» في أن روسيا سوف «تغيّر مسارها» وتعود إلى الامتثال. ولكن الأمل في أن تعترف روسيا بالخطأ فجأة، وتنهي برنامجها لصواريخ «9 إمْ 729»، ليس استراتيجية جدّية، ولا يمكن لقادة الناتو الاعتماد عليه.
وبدلاً من ذلك، ينبغي على الدول الأعضاء في حلف الناتو، أن تُصرّ على أن تضاعف الولايات المتحدة وروسيا، مناقشاتهما المتقطعة، حول معاهدة «آيْ إنْ إفْ»، وتُوافق على الالتقاء في إطار رسمي، وتطرح اقتراحات لكيفية حل القضايا ذات الاهتمام المشترك، المتعلقة بالمعاهدة.
وللأسف، فإن المسؤولين الأمريكيين رفضوا حتى الآن قبول عَرض روسيا مناقشة «أي اقتراحات ذات منفعة متبادلة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح ومخاوف كلا الطرفين». وهذا خطأ فادح. وتقاعُس الطرفين عن التعامل مع العمل الدبلوماسي المشترك بجِدّية أكبر، منذ اختبار صواريخ «9 إمْ 729»، أولَ مرّة قبل خمس سنوات، أوصلَنا إلى الوضع الحالي.
وما لم يحدُث اختراق دبلوماسي مستبعَد، في الوقت القصير المتبقّي، فإن أيام معاهدة «آيْ إنْ إفْ» باتت معدودة. وعدم فعل شيء، ليس خياراً عملياً. ومع احتمال اختفاء المعاهدة في وقت لاحق من هذا العام، ليس من السابق لأوانه التفكير بكيفية تفادي سباق صاروخي جديد خطير وباهظ التكاليف في أوروبا.
ويتمثل أحد الخيارات في أن يعلن حلف الناتو ككتلة، أن أيّاً من دوله الأعضاء، لن تُنزل إلى الميدان أي صواريخ محظورة بموجب معاهدة «آيْ إنْ إفْ»، أو أي قدرات نووية جديدة مكافئة في أوروبا، ما دامت روسيا لا تُنزل للميدان أنظمة محظورة بموجب المعاهدة، قادرة على الوصول إلى أراضي دول الناتو. وهذا يتطلب من روسيا إزالة صواريخ «9 إمْ 729»، المذكورة التي تم نشرها في غربي روسيا.
ويعني ذلك أيضاً، التخلي عن خطط ترامب لصاروخ جديد يُطلق من على الأرض، محظور بموجب معاهدة «آيْ إنْ إفْ».
وفي غياب المعاهدة، هنالك نهج محتمل آخر، هو التفاوض على اتفاق جديد يحظر بشكل قابل للتحقق منه، الصواريخ الباليستية متوسطة المدى التي تطلق من الأرض، أو صواريخ كروز المسلحة برؤوس حربية.
ويتطلب مثل هذا النهج إعلانات إضافية وعمليات تفتيش لأي أنظمة صواريخ تطلق من الأرض ضمن نطاق معاهدة «آيْ إنْ إفْ». ولكي يكون إطار العمل هذا ذا قيمة دائمة، سوف يتطلب من موسكو وواشنطن الاتفاق على تمديد معاهدة ستارت الجديدة، التي من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في عام 2021.
إن أزمة معاهدة «آيْ إنْ إفْ»، مشكلة أمنية عالمية. ومن دون محادثات جدّية واقتراحات جديدة من واشنطن وموسكو، سوف تحتاج دول أخرى إلى التقدم بحلول خلاقة وبراغماتية، تخلق الظروف اللازمة لضمان التزام أكبر طرفين نوويين في العالم، بإنهاء سباق التسلح والحدّ من المخاطر النووية.

* المدير التنفيذي لجمعية مراقبة الأسلحة. موقع: «انتر برس سيرفس»