أفكار قابلة للحياة

17-01-2019

عثمان حسن

الأفكار سواء كانت حاضرة في الذهن، أو قابلة للاكتشاف من خلال التجربة البشرية، هي كائن حي قابل للتفاعل مع بيئة النص، وتتحدد أهميتها من ردة فعل المتلقي، وهو القارئ، وأفكار الكاتب قد تكون ذات طبيعة ساكنة، يفقد القارئ حماسه تجاهها، وقد تكون ذات طبيعة متحركة، أو متفاعلة، وبناء عليه فهي أفكار قابلة للحياة، مع القراء مكتشفي حركية هذه الأفكار وخصيصتها الإيجابية.

إن الفكرة تتبلور في حيز مكاني يتشكل في عقل وحواس المبدع، ذلك القادر على تجيير هذه الأفكار في مشروع أدبي أو فني، وإذا لم يحرص المبدع على تنمية هذه الأفكار تخرج صماء غير قابلة للحياة، وما ينطبق على الأدب ينطبق على العلوم والفلسفات، فقد تكون الفكرة قابلة للتطبيق في حقل علمي، نكتشف من خلاله مخترعاً أو نابغة في أي مجال من مجالات العلوم النظرية والتطبيقية، وقد تكون رواية خارقة في ما صنعته من إزاحة على مستوى السرد، ووعي الشخصيات وتفاعلها، وفي المقابل، فهناك الكثير من الأفكار الميتة غير القابلة للحياة، وهذا ما تكشف عنه أعمال أدبية عديدة، معدومة الخيال في الرواية وفي الشعر وغيرها، حين لا تجد تفاعلاً من القراء، ما يشير إلى أنها أفكار مجزوءة، أو مبتورة.

الفكرة الحية، إذن، هي تلك الفكرة التي تعيش وتؤثر، وتنتج حالة دينامية، تستقطب عناصر وأفراداً و«ديمومات» متحركة في وعي البشر وإقبالهم على الحياة.

وبناء عليه، فإن الأعمال الأدبية، التي ناقشت فكرة الحرية والتسامح والحب والانتصار لقوى الخير والعدل والسلام، هي الأفكار التي عاشت، وما زالت تعيش في وعي البشرية، وهي ذات الأفكار التي بحثت في فلسفة الحياة والوجود، ووظفت في سياق فني ومشروع إبداعي، خرج من بؤرة الموت، وتخندق في الوعي، واستشرف المستقبل، وهي بالضرورة على النقيض من تلك الأفكار التي ولدت ميتة في مهدها.

عاشت رواية الحرب والسلام لتولستوي، ووصلت إلى كافة أرجاء المعمورة؛ ذلك لأن كاتبها أنتج فكرة توغلت في عمق النفس البشرية، وتناول أحداثها بأسلوب تفصيلي يقرأ التاريخ ويستشرف المستقبل، كما عاشت أعمال شكسبير؛ لأن أفكارها حركت الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، نحو ما هو أنقى وأجمل، ويليق بالبشر في كل زمان ومكان، وكانت براعة كاتبها حاضرة في معالجته لجوهر الإنسان الفرد، وموقعه في الكون، ودوره في الحياة.

وبهذا المنظور، خلدت أعمال جورج أورويل، وميلارميه، وسارتر، وماركيز، وساراماغو، وعباس محمود العقاد، ومحمد أركون، وغيرهم الكثير، بما اشتملت عليه من حس وبراعة، وتنبؤ بأحوال ومقامات البشر في صراعهم مع كافة القوى العكسية، التي تدمر الذات، وتعيق العقل والتطور، وتخرب الحواس؛ ذلك لأنها مهدت لوعي جاذب وأفكار جديدة، وساحرة وقابلة للحياة.

ohasan005@yahoo.com